الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( فإن عدل شهود الأصل شهود الفرع جاز ) لأنهم من أهل التزكية ( وكذا إذا شهد شاهدان فعدل أحدهما الآخر صح ) [ ص: 470 ] لما قلنا ، غاية الأمر أن فيه منفعة من حيث القضاء بشهادته لكن العدل لا يتهم بمثله كما لا يتهم في شهادة نفسه ، كيف وأن قوله في حق نفسه وإن ردت شهادة صاحبه فلا تهمة . قال ( وإن سكتوا عن تعديلهم جازوا نظر القاضي في حالهم ) وهذا عند أبي يوسف رحمه الله . وقال محمد رحمه الله : لا تقبل لأنه لا شهادة إلا بالعدالة ، فإذا لم يعرفوها لم ينقلوا الشهادة فلا يقبل . ولأبي يوسف رحمه الله أن المأخوذ عليهم النقل دون التعديل ، لأنه قد يخفى عليهم ، وإذا نقلوا يتعرف القاضي العدالة كما إذا حضروا بأنفسهم وشهدوا [ ص: 471 ] قال ( وإن أنكر شهود الأصل الشهادة لم تقبل شهادة الشهود الفرع ) لأن التحميل لم يثبت للتعارض بين الخبرين وهو شرط .

التالي السابق


( قوله فإن عدل شهود الأصل إلخ ) شهود الأصل منصوب مفعولا وشهود الفرع فاعل .

والحاصل أنه إذا شهد الفرعان فإن علم القاضي عدالة كل من الفروع والأصول قضي بموجب الشهادة ، وإن لم يعلم عدالة الأصول وعلم عدالة الفروع سأل الفروع عن عدالة الأصول فإن عدلوهم جاز لأنهم من أهل التزكية فتقبل ( وكذا لو شهدا اثنان فعدل أحدهما ) وهو معلوم العدالة للقاضي ( الآخر جاز ) خلافا لقول بعض المشايخ إنه لا يجوز لأنه متهم [ ص: 470 ] في ذلك حيث كان بتعديله رفيقه يثبت القضاء بشهادته ، وذلك لما أشار إليه المصنف بقوله ( غاية الأمر أن فيه منفعة إلى آخره ، لكن العدل لا يتهم بمثله كما لا يتهم في شهادة نفسه ) يعني أن شهادة نفسه تتضمن مثل هذه المنفعة وهي القضاء بها ، فكما أنه لم يعتبر الشرع مع عدالته ذلك مانعا كذا ما نحن فيه ( وإن سكتوا ) أي الفروع عن تعديل الأصول حين سألهم القاضي ( جازت ) شهادة الفروع ( ونظر القاضي ) في حال الأصول ، فإن عدلهم غيرهم قضى وإلا لا ( وهذا عند أبي يوسف . وقال محمد )

إذا سكتوا أو قالوا لا نعرف عدالتهم ( لا تقبل ) شهادة الفروع لأن قبولها باعتبار أنها نقل شهادة ولم تثبت شهادة الأصول فلا تقبل شهادة الفروع ( ولأبي يوسف أن المأخوذ ) أي الواجب ( على الفروع ليس إلا نقل ) ما حملهم الأصول ( دون تعديلهم ) فإنه قد يخفى حالهم عنهم ، فإنهم إذا نقلوا ما حملوهم على القاضي أن يتعرف حالهم منهم أو من غيرهم وصار كما لو حضر الأصول بنفسهم وشهدوا وحينئذ ظهر أن ليس سؤال القاضي الفروع عن الأصول لازما عليه بل المقصود أن يتعرف حالهم غير أن الفروع حاضرون وهم أهل التزكية إن كانوا عدولا فسؤالهم أقرب للمسافة من سؤال غيرهم ، فإن كان عندهم علم فقد قصرت المسافة وإلا احتاج إلى تعرف حالهم من غيرهم ، كذا ذكر الخلاف الناصحي في تهذيب أدب القاضي للخصاف وصاحب الهداية .

[ ص: 471 ] وذكر شمس الأئمة فيما إذا قال الفروع حين سألهم القاضي عن عدالة الأصول لا نخبرك بشيء لم تقبل شهادتهما : أي الفروع في ظاهر الرواية ، لأن هذا ظاهر في الجرح كما لو قالوا نتهمهم في هذه الشهادة .

ثم قال : وروي عن محمد رحمه الله أنه لا يكون جرحا . لأنه يحتمل كونه توقيفا في حالهم فلا يثبت جرحا بالشك انتهى . وعن أبي يوسف مثل هذه الرواية عن محمد أنها تقبل ويسأل غيرهما . ولو قالا : لا نعرف عدالتهما ولا عدمها ، فكذا الجواب فيما ذكره أبو علي السغدي . وذكر الحلواني أنها تقبل ويسأل عن الأصول وهو الصحيح لأن الأصل بقي مستورا فيسأل عنه .

وذكر هشام عن محمد في عدل أشهد على شهادته شاهدين ثم غاب غيبة منقطعة نحو عشرين سنة ولا يدرى أهو على عدالته أم لا ؟ فشهدا على تلك الشهادة ولم يجد الحاكم من يسأله عن حاله ، إن كان الأصل مشهورا كأبي حنيفة وسفيان الثوري قضى بشهادتهما عنه لأن عثرة المشهور يتحدث بها ، وإن كان غير مشهور لا يقضي به ، ولو أن فرعين معلوما عدالتهما شهدا عن أصل وقالا لا خير فيه وزكاه غيرهما لا تقبل شهادتهما ، وإن قال ذلك أحدهما لا يلتفت إلى جرحه .

وفي التتمة : إذا شهد أنه عدل ليس في المصر من يعرفه ، فإن كان ليس موضع للمسألة : يعني بأن تخفى فيه المسألة سألهما عنه أو بعث من يسألهما عنه سرا ، فإن عدلاه قبل وإلا اكتفى بما أخبراه علانية ( قوله وإن أنكر شهود الأصل الشهادة لم تقبل شهادة شهود الفرع ) لأن إنكارهما الشهادة إنكار للتحميل وهو شرط في القبول فوقع في التحميل تعارض خبرهما بوقوع ، وخبر الأصول بعدمه ولا ثبوت مع التعارض




الخدمات العلمية