الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ولا يجوز بيع الزيتون بالزيت والسمسم بالشيرج حتى يكون الزيت والشيرج أكثر مما في الزيتون والسمسم فيكون الدهن بمثله والزيادة بالثجير ) لأن عند ذلك يعرى عن الربا إذ ما فيه من الدهن موزون ، وهذا لأن ما فيه لو كان [ ص: 33 ] أكثر أو مساويا له ، فالثجير وبعض الدهن أو الثجير وحده فضل ، ولو لم يعلم مقدار ما فيه لا يجوز لاحتمال الربا ، والشبهة فيه كالحقيقة ، والجوز بدهنه واللبن بسمنه والعنب بعصيره والتمر بدبسه على هذا الاعتبار .

واختلفوا في القطن بغزله ، والكرباس بالقطن يجوز كيفما كان بالإجماع .

التالي السابق


( قوله ولا يجوز بيع الزيتون بالزيت والسمسم بالشيرج حتى يكون الزيت والشيرج معلوما أنه أكثر مما في الزيتون والسمسم ) فلو جهل أو علم أنه أقل أو مساو لا يجوز ، فالاحتمالات أربع ، والجواز في أحدها بأنه إذا كان أكثر كان الخارج منه بمثله من الدهن المفرد ( والزائد ) منه ( ب ) مقابلة ( الثجير ) وفي فتاوى قاضي خان رحمه الله : إنما يشترط أن يكون الخالص أكثر إذا كان الثقل في البدل الآخر شيئا له قيمة ، أما إذا [ ص: 33 ] كان لا قيمة له كما في الزبد بعد إخراج السمن منه فيجوز مع مساواة الخارج للسمن المفرد ، يروى ذلك عن أبي حنيفة . وقال زفر : يجوز مع عدم العلم لأنه متردد بين الفساد والصحة فلا يثبت الفساد بالشك .

والأصل الصحة . وقلنا : الفساد غالب لأنه على تقديري النقصان والمساواة ، والصحة على تقدير الأكثرية فكان هو الظاهر فوجب الحكم به . وعند الشافعي لا يجوز هذا البيع أصلا لعدم العلم بالتفاضل وقت العقد . واعلم أن المجانسة تكون باعتبار ما في الضمن فتمنع النسيئة كما في المجانسة العينية ، وذلك كالزيت مع الزيتون والشيرج مع السمسم ، وتنتفي باعتبار ما أضيفت إليه فيختلف الجنس مع اتحاد الأصل حتى يجوز التفاضل بينهما كدهن البنفسج مع دهن الورد أصلهما واحد وهو الزيت أو الشيرج فصارا جنسين باختلاف ما أضيفا إليه من الورد والبنفسج نظرا إلى اختلاف المقصود والفرض ولم يبل باتحاد الأصل وعلى هذا دهن الزهر في ديارنا ودهن البان ; أصلهما اللوز يطبق بالزهر وبالخلاف مدة ثم يعصر اللوز فيخرج منه دهن مختلف الرائحة فيجوز بيع أحد الدهنين بالآخر متفاضلا ، وعلى هذا قالوا لو ضم إلى الأصل ما طيبه دون الآخر جاز متفاضلا حتى أجازوا بيع قفيز سمسم مطيب بقفيزين غير مطيب ، وعلى هذا يجوز بيع رطل لوز مطبق برطلي لوز غير مطبق ، وكذا يجوز بيع رطل دهن لوز مطبق بزهر النارنج برطلي دهن اللوز الخالص ، وكذا رطل زيت مطيب برطلي زيت لم يطيب فجعلوا الرائحة التي فيها بإزاء الزيادة على الرطل خلافا للشافعي ، فإنه لا يجيز الدهن المطيب وغيره إلا مثلا بمثل .

وأورد أنه ينبغي أن يجوز بيع السمسم بدهنه بأي وجه كان لأن الدهن وزني والسمسم كيلي . أجيب بأنه لما كان المقصود من السمسم ما في ضمنه من الدهن كان بيع الجنس بالجنس . فإن قيل : فيجوز بيع السمسم بالسمسم متفاضلا صرفا لكل من دهنه وثجيره إلى خلاف جنسه . أجيب بأن الصرف يكون عند الانفصال صورة كمسألة الإكرار ولا صورة هنا منفصلة . وقوله ( والجوز بدهنه واللبن بسمنه والعنب بعصيره والتمر بدبسه على هذا الاعتبار ) يعني إن كان الدهن المفرد والسمن والدبس أكثر مما يخرج من الجوز واللبن والتمر جاز ، وقد علمت تقييده بما إذا كان الثفل له قيمة وأظن أن لا قيمة لثفل الجوز إلا أن يكون بيع بقشره فيوقد ، وكذا العنب لا قيمة لثفله فلا تشترط زيادة العصير على ما يخرج ، والله أعلم ( واختلفوا في القطن بغزله ) فبعضهم لا يجوز متساويا لأن القطن ينقص بالغزل فهو كالحنطة [ ص: 34 ] مع الدقيق .

وقال بعضهم : يجوز وفي فتاوى قاضي خان : لا يجوز إلا متساويا لأن أصلهما واحد وكلاهما موزون ، وإن خرجا أو أحدهما عن الوزن جاز متفاضلا . وبيع الغزل بالثوب جائز على كل حال . وقال المصنف بالإجماع . وعن محمد أن بيع القطن بالثوب لا يجوز متفاضلا ، وعنه أنه لا يجوز مطلقا وهكذا عن أبي حنيفة أيضا . ثم ذكر أنه لا بأس ببيع المحلوج بالقطن والغزل بالقطن إذا كان يعلم أن الخالص أكثر مما في الآخر وهذا في المحلوج مع القطن ظاهر لأن الفاضل بإزاء حب القطن وهو مما ينتفع به ، وقد يعلف لبعض الدواب . وأما في الغزل فكأنه ليكون الفاضل من القطن المفرد بإزاء صنعة الغزل ، فنقل الإجماع إنما هو باعتبار الأقوال المعول عليها دون الروايات




الخدمات العلمية