الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وجاز تعدد مستقل [ ص: 281 ] أو خاص بناحية ، أو نوع

التالي السابق


( وجاز تعدد ) قاض ( مستقل ) بضم الميم وكسر القاف ( عام ) أي منفرد كل قاض [ ص: 281 ] بالحكم في جميع مملكة الإمام الذي ولاه وجميع أنواع المعاملات ( أو ) تعدد مستقل ( خاص بناحية ) أي جهة من مملكة من ولاه ( أو ) تعدد مستقل خاص ب ( نوع ) من أنواع الفقه كالنكاح أو البيع ومفهوم مستقل أنه لا يجوز تولية متعدد مشترك في الحكم وهو كذلك لما تقدم أن من شروط صحة التولية اتحاد المولى . ابن عرفة تجوز تولية قاضيين ببلد على أن يخص منهما بناحية من البلد أو نوع من المحكوم فيه لأن هذه الولاية يصح التخصيص فيها والتحجير . فلو استثنى في ولايته أن لا يحكم على رجل معين صح ذلك . ابن فتحون وينفرد القضاة في بعض البلاد بخطة المناكح فيولاها على حدة .

ابن عرفة كما في بلاد تونس قديما وحديثا من تخصيص أحدهما بالنكاح ومتعلقاته ، والآخر بما سوى ذلك ، قال وكذا على عدم التخصيص مع استقلال كل منهما بنفوذ حكمه ومنعه بعض الناس بمقتضى السياسة خوف تنازع الخصوم فيمن يحكم بينهم ، ومقتضى أصول الشرع جوازه لأن لذي الحق استنابة من شاء على حقه ولو تعدد ، والتنازع يرتفع شغبه باعتبار قول الطالب ، وإن تطالبا قضي لكل منهما فيما هو فيه طالب بمن يريده ، فإن تنازعا في التبدئة بدئ الأول ، فإن اقترنا ففي القرعة وترجيح من دعي إلى الأقرب خلاف .

واستدل على جواز التعدد بالقياس على جواز تولية الواحد لبقاء حكم الإمام معه ، وفرق بيسر رفع التنازع عند اختلاف حكمهما بعزل الإمام قاضيه وتعذر عزل أحد القاضيين الآخر . وتعددهما بشرط وقف نفوذ حكمهما على اتفاقهما منعه ابن شعبان ، وقال لا يكون الحاكم نصف حاكم وغلا فيه الباجي فادعى الإجماع على منعه ، وأجاب عن الاعتراض بتعدد حكمي الصيد والزوجين بأنهما إن اختلفا انتقل لغيرهما والقاضيان هما بولاية لا يصح التنقل فيها بعد انعقادها ، واختلافهما يؤدي لتضييع الأحكام ، والغالب اختلاف المجتهدين وإن كانا مقلدين فولاية المقلد ممنوعة المازري وعندي أنه لا يقوم على المنع إن اقتضى ذلك مصلحة ودعت إليه ضرورة في نازلة رأى الإمام أنه لا ترتفع [ ص: 282 ] التهمة والريبة إلا بقضاء رجلين فيها ، فإن اختلف نظرهما فيها استظهر بغيرهما .

قلت منع الباجي وابن شعبان إنما هو في تولية قاضيين ولاية مطلقة لا في مسألة جزئية كما فرضه المازري ، قال وذكر أبو الوليد أنه ولي في بعض بلاد الأندلس ثلاثة قضاة على هذه الصفة ولم ينكرها من كان بذلك البلد من فقهائه ، وقال ابن عرفة قبل هذا بنحو ورقتين ، وكونه واحدا عده عياض من الشروط الثانية وهو أظهر لأن مانع التعدد دائما هو خوف تناقضهما ولا يتصور إضافة الحكم لهما إلا مع اتفاقهما ، فيجب حينئذ إمضاؤه لانتفاء علة المنع ، ولا معنى لكونه من الشروط الثانية إلا هذا . ووجه قول ابن رشد أن منع تعددهما إنما هو معلل بأنه مظنة لاختلافهما لا بعين اختلافهما ، والتعليل بالمظنة لا يبطل بانتقاء مظنونهما في بعض الصور على ما ذكره الأصوليون ، ومسائل المذهب تدل على اختلاف في ذلك كمسألة استثناء جلد الشاة المبيعة في السفر إذا كان له قيمة وغيرها من المسائل .

واستدل الباجي على منعه بالإجماع وبتأديته إلى تعطيل الأحكام لاختلاف المذاهب وغالب الآراء ، قال ولا يعترض هذا بحكمي الصيد والزوجين لأنهما إن اختلفا تيسر الانتقال عنهما لغيرهما ، وهذا في القضاء متعذر . المازري لا مانع من تعددهما في نازلة معينة إن دعت لذلك ضرورة ، فإن اختلفا نظر السلطان في ذلك ويستظهر بغيرهما ، وذكر الباجي أنه ولوا في بعض بلاد الأندلس ثلاثة قضاة بهذه الصفة ولم ينكر فقهاء ذلك البلد المازري قد يظهر وجه المصلحة في ذلك في قصص خاصة ، وأما في قصص عامة فينظر في ذلك . قلت إنما الكلام في القضاء العام ، وأما في نازلة معينة يوقف نفوذ الحكم فيها على اتفاقهما ، فما أظنهم يختلفون فيها ، وهذه نوع قضية تحكيم رجلين ، وقد فعله علي ومعاوية في تحكيمهما أبا موسى وعمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم ا هـ .




الخدمات العلمية