الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 450 ] وإلا فعدل ، وامرأتان ، أو أحدهما بيمين : كأجل ، وخيار ، وشفعة ، وإجارة ، وجرح خطإ ، أو مال ، وأداء كتابة ، وإيصاء بتصرف فيه ، أو بأنه حكم به : كشراء زوجته [ ص: 451 - 453 ] وتقدم دين عتقا ، وقصاص في جرح

التالي السابق


( وإلا ) أي وإن لم يكن المشهود به ليس مالا ولا آيلا إليه ، بأن كان مالا أو آيلا إليه ( ف ) يكفي فيه ( عدل وامرأتان ) بلا يمين ( أو أحدهما ) أي العدل والمرأتين ( بيمين ) يحلفها المشهود له على أن ما شهد به العدل أو المرأتان حق صحيح ، ومثل لما ليس مالا ولا آيلا إليه بقوله ( كأجل ) لثمن أو مثمن أو قرض ( وخيار ) في بيع لأحد المتبايعين ( وشفعة ) أي ما يتعلق بها من أخذ أو ترك وإسقاط أو غيبة الشفيع ونحو ذلك ( وإجارة ) وبيع وكراء ( وجرح ) بفتح الجيم مضاف ل ( خطأ أو ) جرح ( مال ) وهو العمد الذي لا يقتص منه لخشية التلف كجائفة وآمة ( وأداء ) نجوم ( كتابة وإيصاء بتصرف فيه ) أي المال ( أو بأنه ) أي الحاكم ( حكم له ) أي الطالب ( به ) أي المال فيثبت بشاهد وامرأتين أو أحدهما ويمين الشارح ، ومثل لذلك بقوله ( كشراء زوجته ) الرقيقة لغيره فيكفي فيه عدل وامرأتان أو أحدهما ويمين ; لأنه مال ، وإن ترتب عليه فسخ النكاح . البساطي معنى قوله أو بأنه حكم له به أن الحاكم إذا حكم لشخص بمال ثم أراد تنفيذه عند إنكار الخصم كفى فيه الشاهد وامرأتان ، وليست هذه مسألة إنهاء الحاكم لغيره ، [ ص: 451 ] وجعلها الشارح مثالا ، ولا أدري معنى قوله على هذا التقرير انظر الكبير ، ونصه ولعل اختلافهما نشأ عن قوله في توضيحه عند قول ابن الحاجب .

وأما الشهادة بالقضاء بمال فالمشهور لا تمضي فصلها ; لأنها عكس ما قبلها ; لأن الشهادة فيما قبلها على مال وتئول إلى غيره ، وهذه بالعكس . والتي قبلها في ابن الحاجب الشهادة على أداء نجوم الكتابة بأن يشهد شاهد بأداء آخر نجم ، وينكر السيد ويحلف المكاتب مع شاهده فيثبت الأداء ; لأنه مال ويترتب عليه العتق ، وليس بمال . ومعنى كلام ابن الحاجب إن ادعى رجل على آخر أن القاضي حكم له عليه بمال فأنكر فأقام عليه شاهدا به ، فهل له أن يحلف مع شاهده المشهور لا ، وتعقب ابن عبد السلام حكاية الخلاف في الشهادة على حكم القاضي ، قال والذي حكاه الباجي وغيره أن القولين في كتاب القاضي بشاهد ويمين ، وذلك أنه حق ليس بمال ويئول إلى مال .

وأما دعوى أحد الخصمين على الآخر أن القاضي حكم عليه بمال ، فدعوى بمال حقيقة لا ينبغي أن يختلف فيها ورد بأن الخلاف أيضا موجود في حكم القاضي حكاه فضل ، والقول بقبول الشهادة لمطرف وأصبغ ومقابله لابن القاسم وابن الماجشون لا يقبل فيه إلا شاهدان ; لأنه من وجه الشهادة على الشهادة ، وأخذ به ابن حبيب ، ولعل ابن الحاجب شهره إما لأخذ ابن حبيب به ، وإما ; لأنه قول ابن القاسم ، وإما لكون الشهادة فيه باشرت مالا وإما للمجموع ا هـ . " غ " قول أو بأنه حكم له به ، أي وكذا يثبت حكم القاضي بالمال بشاهد وامرأتين [ ص: 452 ] أو بشاهد ويمين أو بامرأتين ويمين ، فليس كشراء زوجته تمثيلا ، ولكنه تشبيه لإفادة حكم . طفى أراد الشارح بقوله ومثل لذلك بقوله كشراء زوجته أن الشيء يكون غير مال ولا آيل له ، لكنه يحكم له بحكم المال فيكفي فيه شاهد وامرأتان أو أحدهما ويمين ، ونصه وأشار بقوله أو بأنه حكم له به إلى أن ما ليس بمال ولا آيل له إذا انتقل بالشهادة لذلك ، أي المال ، فإنه يكفي فيه الشاهد والمرأتان أو أحدهما مع يمين ، وذلك مثل أن يشهد على الزوج أنه اشترى زوجته شاهد وامرأتان أو شاهد مع يمين أو امرأتان مع يمين ، فتصير ملكا له ، فيجب بذلك فراقها ، وكذلك على دين متقدم يرد به العتق أو يقيم القاذف شاهدا وامرأتين على أن المقذوف عبد فيسقط الحد ، وإنما زاد الشيخ القصاص في الجرح وإن كان ليس بمال ولا آيل له ولا مما يحكم له به ليستوعب جميع الصور . ا هـ . فقد ظهر لك من كلامه معنى قوله أو بأنه حكم له به ، وأن شراء الزوجة وما بعده مثالان لذلك ، وكذا المثال الذي زاده ، فالفسخ في الأول ورد العتق في الثاني وسقوط الحد في الثالث ليست بمال ولا تؤول إليه ، لكن حكم لها بحكم المال وهو ظاهر ، وهو نحو قوله في توضيحه في شرح ابن الحاجب .

وأما الشهادة على شراء الزوجة والشهادة على أداء نجوم الكتابة فتثبت وإن ترتب عليه الفسخ والعتق فصلها بأما ; لأنه ليس بمال محض ، بل مركب من مال وغيره فيثبت البيع في المسألة الأولى وهو مال بالشاهد واليمين ، ويترتب عليه الفسخ وهو ليس بمال ، وإنما حكمنا بذلك ; لأنا لو لم نحكم به لأدى إلى أحد أمرين كلاهما باطل ، إما رد شهادة بشاهد وإما إبقاء الزوجة في عصمة مالكها ، وكذا المثال الثاني يثبت فيه أداء النجوم بشاهد ويمين وإن ترتب عليه العتق . ا هـ . فقد ظهر لك صحة قول الشارح ، وأن قول البساطي لا أدري إلخ فيه نظر وأما تقرير البساطي ونحوه لغ فهو خلاف قول ابن الحاجب ، وأما الشهادة بالقضاء بمال فالمشهور لا تمضي وله استحلاف المطلوب ، وأقره في توضيحه ، وعزا ما شهره ابن الحاجب لابن القاسم ، ولم يعرج على تعقب ابن عبد السلام له ، وهذا يدل على أنه أراد في مختصره ما قاله الشارح ، ونقل بعضهم عن ابن رشد [ ص: 453 ] ما قرر به البساطي ، وتقدم أن هذه غير الإنهاء كما قال البساطي ، وأنه لا معارضة بينهما . البناني لكن تقرير الشارح مبني على أن المشهود به في ذلك هو البيع ، وهو مال ويؤدي إلى ما ليس بمال وهو الفسخ مثلا ، فلا يصح استدلال طفى بكلام التوضيح على كلام الشارح ، لكن تقرير التوضيح لا تتنزل عليه عبارة المصنف على أن تقرير ابن غازي ومن تبعه أتم فائدة ، والله أعلم .

( و ) ك ( تقدم دين ) محيط بمال المعتق ( عتقا ) فيثبت بذلك ، ويرد العتق يعني أن من أعتق رقيقا وظهر عليه دين محيط به وادعى غرماؤه أن تداينه قبل عتقه وأقاموا عليه شاهدا وامرأتين أو أحدهما ، وحلفوا معه يمينا فإنه يثبت بذلك ويرد العتق ويؤخذ الرقيق في الدين ( و ) ك ( قصاص ) من جان ( في جرح ) عمد فيثبت بعدل وامرأتين أو أحدهما مع يمين المدعي ، وهذه إحدى المستحسنات . فيها من أقام شاهدا على جرح عمدا فليحلف ويقتصف ، فإن نكل قيل للجارح احلف وابرأ ، فإن نكل حبس حتى يحلف ، ثم قال قيل لابن القاسم لم قال مالك " رضي الله عنه " ذلك في جراح العمد وليست بمال ، فقال كلمت مالكا في ذلك فقال إنه لشيء استحسنته وما سمعت فيه شيئا ، وفيها أيضا كل جرح فيه قصاص فإنه يقتص فيه بشاهد ويمين ، وكل جرح لا قصاص فيه مما هو متلف كالجائفة والآمة فالشاهد فيه واليمين جائز ; لأن العمد والخطأ فيه إنما هو مال . " غ " قوله أو قصاص في جرح معطوف على شراء زوجة وكأنه في معرض الاستثناء من قوله ولما ليس بمال ولا آيل له عدلان . البناني أطلق المصنف وغيره قبول الشاهد مع اليمين في المال وما يؤول إليه وما ألحق بهما . وقال ابن سهل من صح نظره في أموال الناس لم تطب نفسه أن يقضي إلا بالشاهد المبرز في العدالة . ا هـ . ونحوه في التبصرة . وفي المعيار سئل ابن لب عن الحكم بالشاهد واليمين فأجاب القضاء بالشاهد مع اليمين مختلف فيه بين أهل العلم ، وقد منعه الحنفية وأجازه المالكية ، لكن قال محمد بن عبد الحكم إنما ذلك في الشاهد العدل البين العدالة ، وحمل على التفسير للمذهب ، وقد كان القاضي أبو بكر [ ص: 454 ] منا لا يحكم به إلا مع شاهد مبرز ولا يأخذ به مع غيره ، وأما إن ظهرت ريبة في القضية وكان الأخذ بذلك مؤديا إلى فسخ عقد ثابت الصحة فلا وجه للأخذ بذلك حينئذ . ا هـ . لكن قال الشيخ ابن رحال في حاشية التحفة ظاهر كلام جمهور المالكية أن ما قاله ابن عبد الحكم مخالف للمذهب لا تفسير ، ولم أقف على من قيد كلام أهل المذهب المدونة وغيرها بما قاله ابن عبد الحكم ، وقد يتعذر الإتيان بالمبرز ، انظر كلامه .




الخدمات العلمية