الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقدم المسافر وما يخشى فواته ، ثم السابق ، قال : [ ص: 306 ] وإن بحقين بلا طول ، ثم أقرع وينبغي أن يفرد وقتا أو يوما للنساء : [ ص: 307 ] كالمفتي ، والمدرس

التالي السابق


( و ) إن تعددت الخصومات عند القاضي ( قدم ) بفتحات مثقلا القاضي وجوبا ( المسافر ) بالنظر في خصومته مع مسافر أو مع مقيم ، لأن تأخيره يفوته الرفقة فيتعذر عليه السفر وحده ( و ) قدم ( ما يخشى فواته ) بتأخيره كنكاح استوجب فسخه قبل الدخول وخيف إذا أخر النظر فيه أن يدخل الزوج بها وطعام إذا أخر فسد وإذا تعارض المسافر وما يخشى فواته قدم أشدهما ضررا بتأخيره ، وهذا أيضا حيث لم يكثر المسافرون جدا ، فإن كثروا جدا بحيث يحصل الضرر للمقيمين بتأخيرهم عن المسافرين أقرع بينهم إن استوى ضررهم بالتأخير وإلا قدم أشدهما ضررا ، نقله الشارح عن المازري .

ابن عرفة اللخمي يقدم القاضي في الخصومة الأول فالأول إلا المسافر وما يخشى فوته ، وإن تعذر معرفة الأول كتبت أسماؤهم في بطاق وخلطت فمن خرج اسمه أولا بدأ به ، ثم قال ابن عرفة الشيخ عن سحنون الغرباء وأهل المصر سواء إلا أن يقدم الغرباء باجتهاده فيما لا يدخل على أهل المصر ضررا وقاله أشهب ، وزاد وأرى أن يبدأ بالغرباء كل يوم ما لم يكثروا فلا يبدأ بهم . ابن حبيب عن الأخوين من شأن القضاة تقديم الغرباء وتعجيل سراهم . سحنون لا يقدم رجلا لفضله وسلطانه .

( ثم ) يقدم ( السابق ) إلى مجلس القاضي إن كان بحق واحد ( قال ) المازري من عند [ ص: 306 ] نفسه ( وإن بحقين بلا طول ) ونصه إذا وجب تقديم الأسبق ، فقال أصحاب الشافعي رضي الله عنه إنما يقدم الأسبق في حق واحد لا في سائر مطالبه ، وهذا مما ينظر فيه إن سبق بخصمين قدم فيهما مما لا يطول ولا يضر بالجماعة الذين بعده . ابن عرفة ظاهره أنه غير منصوص لأصحابنا . وفي النوادر عن أصبغ إذا قضى بين خصمين في أمر اختصما فيه ثم أخذا في حجة أخرى في خصومة أخرى ، فإن كان بين يديه غيرهما فلا يسمع منهما حتى يفرغ ممن بين يديه إلا أن يكون لشيء لا ضرر فيه بمن حضره فلا بأس أن يسمع منهما .

( ثم ) إن استووا في المجيء أو لم يعلم السابق ( أقرع ) بينهم بأن يكتب أسماءهم في أوراق ويخلطها ويخرج منها ورقة فمن وجد اسمه فيها قدمه ( وينبغي ) للقاضي ( أن يفرد ) بضم التحتية وسكون الفاء وكسر الراء ( يوما ) معينا من الأسبوع ( أو وقتا ) معينا من اليوم ( ل ) قضاء بين ( ا النساء ) سترا لهن وحفظا من اختلاطهن بالرجال في مجلسه ، سواء كانت الخصومة بينهن خاصة أو بينهن وبين الرجال ، وهذا في نساء يخرجن ولا يخشى من سماع صوتهن الفتنة بهن ، وأما المخدرات واللاتي يخشى من سماع صوتهن الفتنة بهن فيوكلن من يخاصم عنهن أو يبعث لهن في منازلهن ثقة مأمونا . ابن عرفة سحنون يعزل النساء على حدة والرجال على حدة .

أشهب أرى أن يبدأ بالنساء كل يوم أو بالرجال فذلك له على اجتهاده صحيح إما لكثرة الرجال على النساء أو لكثرتهن على الرجال ، ولا يقدم الرجال والنساء مختلطين ، وإن رأى أن يجعل للنساء يوما معلوما أو يومين فعل . ابن عبد الحكم أحب إلي أن يفرد للنساء يوما ، وإن احتاج لكشف وجه امرأة ليعرف بها أو ليشهد شهودها على عينها كشفه بين أيدي العدول ويأمر بتنحية غيرهم ، ويفرق بين الرجال والنساء في المجالس ويجعل للنصارى يوما أو وقتا من الأيام بقدر قلتهم وكثرتهم ، ويجلس لهم في غير المسجد ، [ ص: 307 ] المازري إن كان الحكم بين رجل وامرأة أبعد عنها من لا خصام بينها وبينه من الرجال . قلت وينبغي أن يبعد عنها خصمها أقصى ما يمكن أن يسمع كل منهما حجة خصمه أو أقصى ما يسمع الحاكم منهما ويذكر لكل منهما قول صاحبه ، والأول أقرب لسرعة الحكم بينهما ، وإن كانت شابة لها جمال ويخاف إن تكلمت افتتن بها من يسمع كلامها أمرها أن توكل من ينوب عنها في الكلام ، وإن احتيج إلى أن يبعث إليها في دارها من تؤمن ناحيته لسنه ودينه وورعه ممن يكلفه الحكومة في أمرها فعل ، وقد حضرت الغامدية إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقرت بالزنا فأمر برجمها وقال في المرأة الأخرى اغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ، فلم يأمر بإحضارها . الشيخ عن أصبغ إن كان في أعوان القاضي ثقة قدمه للخصومة بينهن في منازلهن ، فإن لم يكن فهو نفسه .

وشبه في تقديم المسافر وما يخشى فواته ثم السابق ثم الإقراع وإفراد النساء بزمن فقال ( كالمفتي ) بضم فسكون فكسر ( والمدرس ) بضم ففتح فكسر مثقلا . ابن عرفة ابن شاس وكذا المفتي والمدرس عند التزاحم . قلت لم أعرف هذا نصا لأهل المذهب إنما قاله الغزالي في وجيزه وتخريجهما على حكم تزاحم الخصوم واضح ، وكذا على سماع عيسى ابن القاسم أحب إلي في الصانع الخياط يدفع الناس إليه ثيابهم واحدا بعد واحد أن يبدأ بالأول فالأول ، ولم أسمع فيه شيئا ولعله أن يكون واسعا إن كان الشيء الخفيف الرقعة ونحوها .

ابن رشد جعل الاختيار تقديم الأول فالأول دون إيجاب عليه ، إذ لم يجب عليه عمله في يوم بعينه ، وكذا قال الأخوان لا بأس أن يقدم الصانع من أحب ما لم يقصد مطلا ، وكذا قال في الرحى ولسحنون لا يقدم صاحب الرحى أحدا على من أتى قبله إن كانت سنة البلد الطحن على الدولة ، فإن تحاكموا قضى بينهم بسنتهم وليس قول سحنون خلافا لقول غيره لأن العرف كالشرط . قلت وجرت عادة مدرسي تونس في الأكثر بتقديم قراءة التفسير على الحديث ، وتقديم الحديث على الفقه . البرزلي وعلى هذا يأتي التقديم في طبخ الخبز والقراءة وسائر الصنائع إن كان عرف عمل به والأقدم الآكد فالآكد ، ويقدم في [ ص: 308 ] القراءة من فيه أهلية على غيره لتحصيل كثرة المنافع على قلتها ، وقال بعض الشيوخ الطالب الذي لا قابلية له ينبغي أن يقدم عليه غيره . وفي الحط عن ابن رشد أن الأحب إن لم يكن شرط ولا عرف تقديم الأول .




الخدمات العلمية