الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا يشاركهم شاهدا الإحصان في الغرم : [ ص: 507 ] كرجوع المزكي ، وأدبا في كقذف ، وحد شهود الزنا مطلقا : كرجوع أحد الأربعة [ ص: 508 ] قبل الحكم ، وإن رجع بعده حد الراجع فقط

التالي السابق


( و ) لو شهد أربعة على شخص بالزنا واثنان بإحصانه ورجم ثم رجع الستة عن شهادتهم اختص شهود الزنا بغرم الدية ف ( لا يشاركهم ) أي شهود الزنا ( شاهدا الإحصان ) في غرم الدية ، هذا مذهب ابن القاسم واختاره سحنون وأصبغ . وقال أشهب ومن وافقه يشاركهم شاهدا الإحصان ; لأن سبب رجمه مركب من الشهادتين ، وعليه فهل يستوي الستة في الغرم أو على شاهدي الإحصان نصفها ؟ قولان ، ولو انفردت شهادة الزنا لم يرجم ، كذا قرره الشارح ونحوه لابن شاس وابن الحاجب وغيرهما ، وقرره البساطي بأنه رجم بشهود الزنا والإحصان ، ثم ثبت أنه مجبوب ، فإن الغرم يختص بشهود الزنا لعدم تبين كذب شهود الإحصان فهي من تمام قسم تبين الكذب . ابن عرفة من رجم بشهادة أربعة بزناه واثنين بإحصانه ثم رجعوا أجمعون ففي عدم غرم شاهدي الإحصان وغرم كل منهما سدس الدية ، وباقيها على بينة الزنا بالسوية ، ثالثها على كل من شاهدي الإحصان ربعها ونصفها على بينة الزنا بالسوية لأصبغ مع سحنون وابن القاسم وأشهب مع ابن الماجشون ومحمد ، وأشار المازري إلى أن ذلك بناء على حصر حكم الرجم إلى إضافته لوصف زناه ولغو إحصانه فيه ; لأنه وصف كمال له لا وصف نقص فيه ، أو إضافته إلى وصفي إحصانه وزناه من عدد مثبتهما أو إضافته إلى الوصفين من حيث ذاتهما .

[ ص: 507 ] وشبه في عدم المشاركة في الغرم فقال ( كرجوع ) جنس العدل ( المزكي ) لشهود الزنا أو قتل العمد عن تزكيتهم بعد رجم المشهود عليه أو قتله قصاصا ، فلا يغرم المزكي شيئا من الدية ، سواء رجع الشهود الأصول أو لا ، ففي النوادر سحنون إن شهد رجلان بحق والقاضي لا يعرفهما فزكاهما رجلان فقبلهما القاضي وحكم بالحق ثم رجع المزكيان للبينة وقالا زكينا غير عدلين ومن لا يزكى مثله فلا ضمان عليهما ; لأن الحق أخذ بغيرهما ولو رجع الشاهدان ومن زكاهما فلا يغرم إلا الشاهدان وقاله ابن الماجشون أيضا . المسناوي لم يذكروا خلاف أشهب في رجوع المزكي كخلافه في رجوع شاهد الإحصان . ولعله يتخرج في رجوع المزكي بالأولى لعدم ثبوت شيء بدون المزكي ، بخلاف شاهد الإحصان فيثبت بدونه الجلد قاله المسناوي .

( وأدبا ) بضم فكسر مثقلا أي الشاهدان الراجعان عن شهادتهما ( في كقذف ) وشتم وضرب بسوط ولطم بعد الاستيفاء بحد المشهود عليه وتأديبه ، ولا غرم عليهما ولا قود عند جميع أصحابنا ، إذ لم يتلفا مالا فيغرمانه ، ولا نفسا فيطلبان بديتها . سحنون إذا شهد على رجل أنه قذف رجلا أو شتمه أو ضربه بسوط أو لطمه فجلده القاضي في القذف أو أدبه فيما يجب فيه الأدب ثم رجع الشهود وأقروا بالزور فليس في هذا عند جميع أصحابنا غرم ولا قود ولا حد معروف إلا الأدب من السلطان ، ولا تقع المماثلة في اللطمة ولا ضرب السوط بأمر يضبط ، ولا أرش لذلك إنما فيه الأدب .

( وحد ) بضم الحاء المهملة وشد الدال كذلك ( شهود الزنا ) الراجعون عن الشهادة به حد القذف للمشهود عليه الحر ذي الآلة العفيف عما يوجب الحد ( مطلقا ) عن التقييد بكون رجوعهم بعد الحكم أو بعد الاستيفاء بحد المشهود عليه . ابن الحاجب للرجوع ثلاث صور قبل الحكم وبعده وقبل الاستيفاء وبعده ، ويحدون في شهادة الزنا في الصور كلها وشبه في حد شهود الزنا فقال ( كرجوع أحد الأربعة ) الذين شهدوا بالزنا على [ ص: 508 ] مكلف عن شهادته ( قبل الحكم ) بحد المشهود عليه فيحد الأربعة لعدم كمال نصاب شهادة الزنا فهم قاذفون .

( وإن رجع أحدهم ) أي الأربعة الذين شهدوا بالزنا على مكلف ( بعده ) أي الحكم بحد المشهود عليه ( حد ) بضم ففتح مثقلا الشاهد ( الراجع ) اتفاقا لاعترافه على نفسه بالقذف ( فقط ) أي ولا يحد الثلاثة الذين لم يرجعوا عن شهادتهم على المشهور ، وهو مذهب المدونة لنفوذ الحكم بشهادتهم مع بقائهم عليها . وظاهر قوله بعد الحكم سواء كان قبل الاستيفاء أو بعده وهو كذلك في توضيحه . وفي الجواهر بعد الحكم وإقامة الحد وتبعه ابن الحاجب قاله تت . طفى لم يتبعه بل عبارته كعبارة المصنف ونصه فلو رجع أحد الأربعة قبل الحكم حدوا وبعده حد الراجع اتفاقا دون الثلاثة على المشهور ، ونص الجواهر وإذا رجع أحد الأربعة قبل الحكم حدوا ولو كان رجوعه بعد الحكم وإقامة الحد حد الراجع بغير خلاف . واختلف هل يحد الباقون ; لأن الزنا لم يثبت إلا بأربعة أو لا يحدون ; لأن الحكم تم بشهادتهم وهم الآن باقون عليها . وفي المدونة إن رجع أحد الأربعة قبل إقامة الحد حدوا كلهم وبعده حد الراجع فقط ، وإياها تبع ابن شاس ، وذكر ابن عرفة عن ابن رشد خلافا في حد الراجع فقط قبل إقامة الحد أو الجميع ا هـ .




الخدمات العلمية