الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 469 - 470 ] ولا على من لا يعرف ، إلا على عينه ، وليسجل [ ص: 471 ] من زعمت أنها ابنة فلان ، ولا على منتقبة لتتعين للأداء ، وإن قالوا أشهدتنا منتقبة ، وكذلك نعرفها قلدوا ، وعليهم إخراجها ، إن قيل لهم عينوها .

التالي السابق


( ولا ) يشهد الشاهد على ( من ) أي الشخص الذي ( لا يعرف ) الشاهد نسبه ( إلا على عينه ) ظاهره المنع من الشهادة على اسمه لاحتمال تسميه بغير اسمه ( و ) إن شهد عند القاضي على امرأة مجهولة النسب ، وقد سمت نفسها وانتسبت لأب سمته ، والشهود لا يعرفون اسمها ولا اسم أبيها ف ( ليسجل ) بضم التحتية وفتح السين المهملة وكسر الجيم [ ص: 471 ] مشددة أي يأمر القاضي من يكتب في كتابه المحفوظ عنده الذي يكتب الوقائع فيه شهد فلان وفلان بكذا علي ( من ) أي المرأة التي ( زعمت ) أي أخبرت ( أن ) اسم ( ها ) فلانة ( ابنة فلان ) من غير قطع باسمها واسم أبيها لاحتمال كذبها فيهما المصنف وينبغي أن يكون الرجل المجهول نسبه واسمه كذلك لذلك . ( و ) لا تجوز الشهادة ( على ) امرأة مجهولة للشهود ( منتقبة ) حتى ترفع النقاب عن وجهها ويشهدوا على عينها ( لتتعين ) المرأة المشهود عليها ( للأداء ) أي تأدية الشهادة التي تحملوها عليها إذا طلبوا بها عن الحاكم ( وإن قالوا ) أي الشهود وقت الأداء ( أشهدتنا ) هذه المرأة على نفسها بكذا حال كونها ( منتقبة وكذلك ) أي حال كونها منتقبة ( نعرفها ) ولا تشتبه علينا بغيرها فتؤدى الشهادة عليها منتقبة ( قلدوا ) بضم فكسر مثقلا ، أي صدقوا واتبعوا في ذلك ابن عرفة إن قالت البينة أشهدتنا وهي منتقبة ، وكذلك نعرفها ولا نعرفها بغير نقاب فهم أعلم ما تقلدوا إن كانوا عدولا وعينوها كما ذكرت وقطع بشهادتهم ، سأل ابن حبيب سحنونا عن امرأة أنكرت دعوى رجل عليها فأقام عليها بينة قالوا أشهدتنا على نفسها وهي منتقبة بكذا وكذا ، ولا نعرفها إلا منتقبة وإن كشفت وجهها فلا نعرفها فقال هم أعلم بما تقلدوا ، فإن كانوا عدولا وقالوا عرفناها قطع بشهادتهم .

( و ) إن شهدوا على امرأة بحق وأنكرت وقالوا شهدنا عليها على معرفة منا بعينها ونسبها وسأل الخصم إدخالها في نساء وإخراجها الشهود من بينهن ف ( عليهم ) أي الشهود ( إخراجها ) وتعيينها منهن ( إن قيل لهم عينوها ) وقال أصبغ ليس عليهم تعيينها . ابن عرفة سئل ابن القاسم من اعترف دابة أو رأسا هل تجمع دواب أو رقيق ويدخل فيها المعترف ويكلف الشهود بإخراجه ، قال ليس ذلك على أحد في شيء وذلك خطأ ، [ ص: 472 ] ولكن إن كانوا عدولا قبلت شهادتهم . أصبغ وكذا النساء إن شهد عليهن ، وعن سحنون لو شهدوا على نكاح امرأة وإقرارها وإبرائها وسأل الخصم إدخالها في نساء ليخرجوها وقالوا شهدنا عليها عن معرفتنا بعينها ونسبها ولا ندري هل نعرفها اليوم وقد تغير حالها وقالوا لا نتكلف ذلك فلا بد أن يخرجوا عينها ، وإن قالوا نخاف أن تكون تغيرت قيل لهم إن شككتم وقد أيقنتم أنها بنت فلان وليس له إلا بنت واحدة من حين شهدتم عليها إلى اليوم جازت الشهادة . شب

فإن لم يخرجوها ضمنوا خلافا لبعض شيوخ الزرقاني ، ونصه انظر إذا لم يعينوها ، فهل يغرمون إذا تلف مال بسبب ذلك أم لا واستظهر بعض شيوخنا عدم تغريمهم ; لأنهم كفسقة تحملوا شهادة بحق عالمين أن شهادتهم لا تقبل ، ثم أدوها فردت وعليه اقتصر عج . ابن عرفة سمع ابن القاسم من عنده امرأة لا يعرفها غيره كبنت أخيه أراد أن يزوجها كيف يشهد عليها ، قال يدخل عليها من لا تحتشم منه فيشهد على رؤيتها ، قال عيسى قال لي ابن القاسم قال مالك " رضي الله عنه " وإن لم يعرفها الشهيدان . ابن رشد إن لم يوجد من يعرفها فلا بد أن يشهد على رؤيتها من لا تحتشم منه فلتسفر لهم عن وجهها ليثبتوا عليها ليشهدوا على عينها إن أنكرت أنها التي أشهدتهم ، فإن وجد من العدول من يعرفها فلا ينبغي لمن لا يعرفها أن يشهد عليها ، فإن شهد عليها مع وجود من يعرفها أو دونه فلا ينبغي لهم أن يشهدوا عليها بالرضا بالنكاح لاحتمال أنها لم تكن هي التي أشهدتهم فيموتوا ويشهد على شهادتهم فتلزم نكاحا لم ترضه ; لأن شهادتهم عليها بذلك كشهادتهم به عليها عند حاكم والحقوق بخلاف ذلك .

قال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه لا يشهد الرجل على من لا يعرف ، ومثله لأصبغ . قال وأما الحقوق من البيوع والوكالات والهبات ونحو ذلك فيشهد عليها في شيء من ذلك من لا يعرفها بعينها واسمها ونسبها . والفرق بين النكاح وغيره من الحقوق أنه يخشى أن يموتوا فيشهد على خطوطهم فتلزم نكاحا باطلا لم تشهد به على نفسها ، وعلى ما جرى به العمل عندنا من أنه لا يقضي بالشهادة على الخط إلا في الأحباس وما جرى [ ص: 473 ] مجراها يستوي النكاح وغيره من الحقوق ولا يجرح الرجل بوضع شهادته على من لا يعرف في الحقوق كما يضعها عليه في النكاح إذا لم يشهد على شهادته بذلك ، وقد استجاز ذلك العلماء قديما ، وأما عند أداء الشهادة فلا يحل للشاهد أن يشهد بإجماع إلا على من ثبتت عينه وعرف أنه هو الذي أشهده دون شك ولا ارتياب . ابن أيوب إذا كتب ذكر الحق على من لا يعرفه الشهود فالأحسن أن يكتب نعته وصفته ويشهد الشهود على صفته حيي أو مات حضر أو غاب ، وقال بعضهم يكتب اسمه وقريته ومسكنه والأول أحسن ; لأنه قد يتسمى الرجل بغير اسمه وغير مسكنه وموضعه .




الخدمات العلمية