الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 99 - 101 ] وإن سال مطر بمباح سقي الأعلى ، إن تقدم للكعب ، وأمر بالتسوية ، وإلا : فكحائطين ، [ ص: 102 ] وقسم للمتقابلين .

[ ص: 101 ]

التالي السابق


[ ص: 101 ] وإن سال ) أي اجتمع ( مطر ب ) مكان ( مباح ) الانتفاع به لكل أحد وبقربه بساتين ومزارع ( سقي ) بضم فكسر البستان أو المزرع ( الأعلى ) أي الأقرب للماء قبل سقي غيره ( إن تقدم ) إحياء الأعلى على إحياء الأسفل أو استويا في الإحياء ، فإن تقدم إحياء الأسفل قدم سقي الأسفل إن خيف هلاكه والأقدم إلا على المتأخر إحياؤه ، ففي المفهوم تفصيل ، فلو قال إن تقدم أو ساوى كان تأخر ما لم يخف هلاك الأسفل لكان أحسن قاله عج ، وهذا على قول سحنون ، ونقل ابن الحاجب تقديم السابق في الإحياء مطلقا تبعا لظاهر قول ابن القاسم في سماع أصبغ ، وهذا هو الظاهر من عبارة المصنف واحترز بمباح من سيلانه بمكان مملوك فلصاحبه منعه وبيعه كما تقدم ويستحق المقدم في السقي بلوغ الماء فيه ( للكعب ) من الرجل الواقف فيه ، ثم يرسل للذي يليه جميع الماء قاله ابن القاسم وقال مطرف وابن الماجشون وابن وهب يحبس ما بلغ الكعب في الأعلى ويرسل ما زاد عليه للذي يليه . ابن رشد ، وهو الأظهر .

( وأمر ) بضم فكسر صاحب الأعلى ( بالتسوية ) لأرضه إن لم تكن مستوية بأن كان بعضها عاليا وبعضها واطيا إن أمكنته التسوية ( وإلا ) أي وإن لم تمكنه التسوية ، وكان الماء لا يبلغ الكعب في الأعلى إلا وقد بلغ أكثر منه جدا في الأسفل ( ف ) الأعلى الذي لم تستو أرضه ( كحائطين ) حائط أعلى وحائط أسفل فيسقى الأعلى وحده للكعب ، ثم يسقى الأسفل كذلك روى الإمام مالك " رضي الله عنه " { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سيل مهزور ومذينب يمسك الأعلى إلى الكعبين ثم يرسل الأعلى على الأسفل } أبو عمر هما واديان بالمدينة يسيلان بالمطر تنافس أهل المدينة في سيلهما .

ابن رشد هذا الحكم في كل ماء غير متملك يجري من قوم إلى قوم دونهم أن من دخل الماء أرضه أولا فهو أحق بالسقي به حتى يبلغ الماء في أرضه إلى الكعبين ، ثم اختلف هل يرسل جميع الماء إلى الأسفل أو لا يرسل عليه إلا ما زاد على الكعبين ، فقال مطرف وابن الماجشون [ ص: 102 ] وابن وهب يرسل على الأسفل ما زاد على الكعبين . وقال ابن القاسم بل يرسل جميع الماء ولا يحبس شيء منه ، والأول أظهر . وكان الخطيب الحفار من أشياخ أشياخنا يفتي بأن الماء الهابط ككنز غير متملك . وفي نوازل ابن لب ماء الأودية غير متملك يسقى به الأعلى فالأعلى ، واتفاق من اتفق ممن درج على ما يخالف هذا الأصل لا يلزم من بعدهم ، وله سعة في فتوى أخرى ، لكن السواقي القديمة تتعلق بها حقوق المنتفعين بمائها وتصير تلك الحقوق مملوكة لهم بطول حيازتهم فلا يسمح لقوم أن يرفعوا ساقية في هذه .

الساقية الباجي إن كان بعض الحائط أعلى من بعض فقال سحنون يؤمر أن يعدل أرضه وليس له أن يحبس على أرضه كلها الماء إلى الكعبين ، فإن تعذرت تسويته سقي كل مكان وحده . ابن عرفة إن أحيا رجل بماء سيل ثم أحيا فوقه غيره وأراد أن ينفرد بالماء ويسقي قبل الأسفل الذي أحيا قبله ، وذلك يبطل عمل الأسفل ويتلف زرعه ، فقال سحنون القديم أولى بالماء ، وقد أطلق ابن الحاجب في قوله إن أحدث إحياء الأعلى فالأقدم أحق ، ونحوه لابن شاس . وتورك ابن عبد السلام على ابن الحاجب في ترك قيد الخوف لكن لم يجزم به ، وقال يحتمل أن لا يرى سحنون الأقدم أولى إذا فقد هذا الشرط ، فجزم عج به غير ظاهر . وكلام ابن عرفة يقتضي إبقاء كلام ابن الحاجب على إطلاقه ، وأنه تبع ظاهر قول ابن القاسم في سماع أصبغ ، ثم قال ففي شرط تقدم الأسفل على الأعلى بمجرد تقدم إحيائه على الأعلى مع خوف هلاك زرعه ثالثها مع انفراده بالانتفاع بالماء ، لنقل ابن الحاجب مع ظاهر سماع أصبغ . ابن القاسم وقول سحنون وتفسير أصبغ قول ابن القاسم . ا هـ . فجعل قول سحنون خلافا لا تقييدا قاله طفي .

( وقسم ) بضم فكسر الماء الجاري من نحو المطر ( ل ) حائطين مثلا ( المتقابلين ) عليه بأن أحاطا به من جانبيه . سحنون فإن كان الجانبان متقابلين فيما حكمه أن يكون للأعلى فالأعلى قسم الماء بينهما ، وإن كان الأسفل مقابلا لبعض الأعلى حكم لما كان أعلى بحكم الأعلى ، ولما كان مقابلا بحكم المقابل ، وهذا استويا في زمن الإحياء والأقدم الأسبق فيه [ ص: 103 ] بالأولى من تقديم الأسفل المتقدم فيه أفاد البناني أراد به قول الخرشي وعب ، ظاهره ولو لم يستويا في زمن الإحياء ، وهو كذلك كما هو ظاهر النقل ، وهل يقسم بينهما بالسوية مطلقا أو بحسب مساحتهما كفدان والآخر نصف فدان ، فللأول الثلثان ، وللثاني الثلث ، ثم توقف فيه الشيخ سالم ومن بعده من الشراح .




الخدمات العلمية