الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 251 ] وندب أخذ آبق لمن يعرف وإلا فلا يأخذه ; فإن أخذه رفعه للإمام ووقف سنة ، ثم بيع ولا يهمل ، وأخذ نفقته [ ص: 252 ] ومضى بيعه : وإن قال ربه كنت أعتقته وله عتقه وهبته لغير ثواب ، وتقام عليه الحدود ; وضمنه إن أرسله ، إلا لخوف منه : كمن استأجره فيما يعطب فيه ، [ ص: 253 ] لا إن أبق منه وإن مرتهنا وحلف ، واستحقه سيده : بشاهد ويمين ، وأخذه ، إن لم يكن إلا دعواه إن صدقه وليرفع للإمام إن لم يعرف مستحقه ، إن لم يخف ظلمه

[ ص: 251 ]

التالي السابق


[ ص: 251 ] وندب ) بضم فكسر ( أخذ ) بفتح الهمز وسكون الخاء المعجمة رقيق ( آبق ) بمد الهمزة وكسر الموحدة ، أي هارب من مالكه ( لمن ) أي شخص أو الشخص الذي ( يعرف ) بفتح فسكون فكسر ( ربه ) قريبا كان أو جارا أو غيرهما ( وإلا ) أي وإن لم يعرف ربه ( فلا ) يندب له أخذه ( فإن أخذه ) وهو لا يعرف ربه ( رفعه ) أي الآخذ الآبق ( للإمام ) أي حاكم بلده إماما كان أو نائبه ( و ) إذا رفعه له ( وقف ) بضم فكسر الآبق عنده ( سنة ) ونفقته من بيت المال ( ثم ) إن لم يظهر ربه ( بيع ) بكسر الموحدة الآبق بعد تمام السنة ( ولا يهمل ) بضم التحتية وسكون الهاء وكسر الميم أمره عن البيان فيكتب اسمه وصفاته وبلده وثمنه الذي بيع به ويشهد على ذلك ، فإن جاء من ادعاه قابل كلامه بالمكتوب ، فإن ظهر له أنه له دفع له بقية ثمنه وإلا فلا ، ويحتمل أن معنى لا يهمل لا يترك بعد السنة يذهب حيث يشاء كضالة الأب .

( و ) إذا باعه الإمام ( أخذ ) الإمام ( نفقته ) أي الآبق التي أنفقت عليه من بيت المال من ثمنه الذي بيع به وجعل بقية ثمنه أمانة لربه في بيت المال . فيها للإمام مالك رضي الله تعالى عنه ومن وجد آبقا فلا يأخذه إلا أن يكون لقريبه أو جاره أو لمن يعرفه فأحب إلي أن يأخذه ابن القاسم فإن لم يأخذه فهو في سعة ومن أخذ آبقا رفعه إلى السلطان فوقفه سنة وأنفق عليه ويكون فيما أنفق عليه كالأجنبي ، فإن جاء صاحبه وإلا باعه وأخذ من ثمنه ما أنفق وحبس بقية الثمن لربه في بيت المال . سحنون لا أرى أن يوقفه سنة ولكن بقدر ما يتبين أمره ثم يباع ويكتب الحاكم صفته عنده حتى يأتي طالبه . ابن يونس هذا هو الصواب . فيها للإمام مالك رضي الله تعالى عنه يبيع الإباق بعد السنة ولا يأمر باطلاقهم يعملون ويأكلون ولم يجعلهم كضوال الإبل لأنهم يأبقون ثانية . [ ص: 252 ] و ) إذا باعه الإمام ( مضى بيعه ) أي الآبق ( وإن قال ربه كنت أعتقته ) أي الآبق قبل بيعه لاتهامه بالتحيل على نقض بيعه إلا أن تشهد بينة له بإعتاقه قبله فينقض بيعه . فيها للإمام مالك رضي الله تعالى عنه إن جاء رب الآبق بعد أن باعه الإمام بعد السنة والعبد قائم فليس له إلا ثمنه ولا يرد بيعه لأن الإمام باعه وبيعه جائز ، ولو قال ربه كنت أعتقته أو دبرته بعد إباقه أو قبله فلا يقبل قوله على نقض البيع إلا ببينة .

( وله ) أي رب الآبق ( عتقه ) أي الآبق ناجزا مجانا وعن كفارة ظهاره وإلى أجل وكتابته وتدبيره والتصدق به والإيصاء به ( وهبته لغير ثواب وتقام عليه ) أي الآبق ( الحدود ) بضم الحاء المهملة الشرعية لزنا وسرقة وشرب مسكر وقذف وردة وترك صلاة ونحوها . فيها يجوز لسيد الآبق عتقه وتدبيره . وهبته لغير ثواب ، ولا يجوز له بيعه ولا هبته لثواب ، وإن زنى الآبق أو سرق أو قذف أقيم عليه الحد في ذلك كله .

( وضمنه ) بفتح فكسر ، أي الآبق آخذه ( إن أرسله ) أي أطلق الآخذ الآبق وخلى سبيله بعد أخذه في كل حال ( إلا ) إرساله ( لخوف منه ) أي الآبق أن يقتل آخذه أو يضره في نفسه أو ماله فلا يوجب إرساله ضمانه . فيها للإمام مالك رضي الله تعالى عنه من أخذ آبقا فأبق منه فلا شيء عليه ، وإن أرسله بعد أخذه ضمنه . ابن عبد الحكم ولو خلاه بعد أن أخذه لعذر بأن خاف أن يقتله أو يضره فلا شيء عليه ، وإن أرسله لشدة النفقة فهو ضامن ، وشبه في الضمان فقال ( كمن ) أي شخص أو الشخص الذي ( استأجره ) أي الآبق من نفسه ( فيما ) أي عمل ( يعطب ) الآبق ( فيه ) أي بسببه وعطب فيضمنه .

فيها لابن القاسم رحمه الله تعالى من استأجر آبقا فعطب في عمله ولم يعلم أنه آبق ضمنه لربه ، وقاله مالك رضي الله تعالى عنه فيمن أجر عبدا على تبليغ كتاب إلى بلد ولم يعلم أنه عبد فعطب في الطريق أنه يضمنه ، ثم قال وإنما يضمن الآبق من استعمله في عمل [ ص: 253 ] يعطب في مثله فهلك فيه . ا هـ . فإن كان لا يعطب في مثله فلربه أجرته إن كان له بال لا ما لا بال له كسقي دابة وشراء خضرة .

( لا ) يضمن آخذ الآبق ( إن أبق ) الآبق ( منه ) أي آخذه بغير تعد ولا تفريط . فيها للإمام مالك " رضي الله عنه " من أخذ آبقا فأبق منه فلا شيء عليه وبالغ على عدم الضمان بالإباق فقال لا يضمن من كان بيده عبد لغيره . فأبق إن لم يكن مرتهنا ، بل ( وإن ) كان الرقيق ( مرتهنا ) بفتح الهاء ، أي مرهونا في دين وأبق من المرتهن بكسر الهاء ( وحلف ) المرتهن بالكسر أنه أبق منه فلا يضمن لراهنه ، فيها إذا أبق العبد الرهن فلا يضمنه المرتهن ويصدق في إباقه ولا يحلف وكان على حقه ، وفي رواية الدباغ ويحلف ( واستحقه ) أي الآبق ( سيده بشاهد ) شهد له به ( ويمين ) من سيده أنه له لأنه مال وهو يكفي فيه شاهد ويمين . فيها للإمام مالك " رضي الله عنه " من اعترف آبقا عند السلطان وأثبت شاهدا حلف معه وأخذ العبد .

( و ) إن ادعى شخص أن الآبق له ( أخذه ) أي المدعي الآبق ( إن لم تكن إلا دعواه ) أي المدعي أنه له ( إن صدقه ) أي الآبق المدعي في دعواه أنه له . ابن يونس بعد التلوم . فيها إن ادعى أن هذا الآبق عبده ولم يقم بينة فإن صدقه العبد دفع إليه أراد بعد التلوم وتضمينه إياه ، قال الإمام مالك " رضي الله عنه " في متاع وجد مع لصوص فادعاه قوم لا يعرف ذلك إلا بقولهم إن الإمام يتلوم فيه ، فإن لم يأت سواهم دفعه إليهم فكذلك الآبق . أشهب لأن هذا أكثر ما يوجد ( وليرفع ) من أخذ الآبق أمره ( للإمام ) العدل ( إذا لم يعرف ) آخذه ( مستحقه ) أي الآبق بكسر الحاء المهملة ( إن لم يخف ) بفتح التحتية والخاء المعجمة آخذه ( ظلمه ) أي الإمام بأن كان عادلا ، فإن خاف ظلمه فلا [ ص: 254 ] يرفعه إليه فيها ، والآبق إذا اعترفه ربه في يدك ولم تعرفه فأرى أن ترفعه إلى الإمام إن لم تخف ظلمه .




الخدمات العلمية