الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 277 ] ولم يستخلف ، إلا لوسع عمله في جهة بعدت [ ص: 278 ] من علم ما استخلف فيه ، وانعزل بموته ، لا هو بموت الأمير ، ولو الخليفة .

التالي السابق


( و ) إذا ولى الإمام قاضيا في بلد مخصوص ولم يأذن له في استخلافه ولم يمنعه منه ( لم يستخلف ) القاضي قاضيا آخر ينوب عنه في الحكم ( إلا لوسع ) بضم الواو ، أي اتساع ( عمله ) بفتح العين والميم ، أي البلاد التي ولي للقضاء فيها فيستخلف قاضيا يقضي نيابة عنه ( في جهة بعدت ) عن بلده الذي هو به . " ق " المتيطي إذا كان نظر القاضي واسعا وأقطار مصره متنائية فلا يرفع الخصوم إلى مصره إلا فيما من قرب من الأميال القريبة لأن ما بعد يشق على الناس ويقدم في الجهات البعيدة حكاما ينظرون للناس في أحكامهم ، هذا هو المشهور من المذهب ، ومنع من ذلك ابن عبد الحكم إلا بإذن الإمام . وقال ابن وهب إن كان الإمام عدلا فلا يجوز لأحد أن يبارز العدو إلا بإذنه وإن كان غير عدل فليبارز وليقاتل بغير إذنه .

ابن رشد هذا كما قال إن كان غير عدل فلا يلزم استئذانه في مبارزة ولا قتال ، قال وإنما يفترق العدل من غير العدل في الاستئذان له لا في طاعته إذا أمر بشيء أو نهى عنه ثم [ ص: 278 ] واجب على الرجل طاعة الإمام فيما أحب أو كره وإن كان غير عدل ما لم يأمر بمعصية . ابن عبد السلام إذا نهى الإمام عن الاستخلاف فيتفق على منعه ، وإن أذن فيه فيتفق على جوازه . وفي النوادر إذا كان الاستخلاف بإذن الخليفة فلا نبالي ، كان القاضي حاضرا أو غائبا وكان الإمام ولى قاضيين أحدهما فوق صاحبه وإن تجرد العقد عن الإذن وعدمه ، فقال سحنون ليس له الاستخلاف وإن مرض أو سافر . وقال مطرف وابن الماجشون له ذلك إذا مرض أو سافر .

خليل ومقتضى كلام ابن الحاجب أن الأول هو المذهب ، أي لكونه صدر به وهو ظاهر إطلاقه هنا ، وظاهره أنه يتفق على منعه إذا عدم المرض والسفر ، ثم قال في التوضيح عن ابن راشد هذا إذا استخلف في البلد الذي هو فيه أما إن كان عمله واسعا فأراد أن يقدم في الجهات البعيدة فالمشهور الجواز ، وقال ابن عبد الحكم لا يجوز إلا بإذن الخليفة . المازري وعلى قول سحنون إن استخلف فقضى المستخلف فلا ينفذ إلا أن ينفذه القاضي الذي استخلفه ويستخلف في الجهة البعيدة . ( من ) أي الذي ( علم ما استخلف فيه ) من أبواب الفقه من نكاح أو بيع أو قرض أو غيرها ولا يشترط علمه بجميع أبواب الفقه إلا إذا استخلف في جميعها . ابن شاس يشترط في خليفته صفات القضاة إلا إذ لم يفوض له إلا سماع الشهادة والنقل فلا يشترط من العلم إلا معرفة ذلك القدر ابن الحاجب يشترط علمه بما يستخلف فيه ( وانعزل ) المستخلف بفتح اللام ( بموته ) أي مستخلفه بكسرها ، لأنه كوكيله . ابن شاس لو مات القاضي وقد استخلف مكانه رجلا وقال له سد مكاني ونفذ ما كنت صدرت فيه للقضاء واقض فلا قضاء له ولا سلطان ، وليس للقاضي أن يستخلف بعد موته ( لا ) ينعزل ( هو ) أي القاضي ( بموت الأمير ) الذي قدم القاضي إن كان الأمير غير الخليفة ، بل ( ولو ) كان ( الخليفة ) . [ ص: 279 ] المتيطي إذا مات الإمام الذي تؤدى إليه الطاعة وقد قدم قضاة وحكاما وولى الأمر غيره وقضى الحكام الذين قدمهم الميت أو القضاة بقضايا بين موت الإمام الأول وقيام الثاني وبعد قيامه وقبل تنفيذه إليهم الولاية وتمضيته لهم الحكومة فيما قضوا في الفترة وحكموا فيه فأقضيتهم نافذة وأحكامهم جائزة وسجلاتهم ماضية ، وهم بمنزلة ولاة الأيتام يقدمهم القاضي على النظر للأيتام ، ثم يموت القاضي أو يعزل فتقديمه لهم ماض وفعلهم جائز لا يحتاج إلى أن يمضيه القاضي الذي ولي بعده .

أصبغ لا ينعزل القاضي بموت موليه كان الإمام أو أميره . ابن الحاجب إذا مات المستخلف خليل بكسر اللام ، لم ينعزل مستخلفه خليل بفتحها ، وظاهره الإطلاق فيتناول الإمام والأمير والقاضي وهو مقيد بما عدا القاضي ونائبه ، فإن نائب القاضي ينعزل بموت القاضي نص عليه مطرف وأصبغ وابن حبيب . ابن رشد ولم أعلمهم اختلفوا فيه . ابن عبد السلام وعندي أن ما قالوه من انعزال نائب القاضي بموت القاضي صحيح إن كان القاضي استنابه بمقتضى الولاية على القول بأنه له ذلك ، وأما إن استناب رجلا معينا بإذن الأمير أو الخليفة فينبغي أن لا ينعزل ذلك النائب بموت القاضي ولو أذن في النيابة إذنا مطلقا فاختار القاضي رجلا ، ففي انعزاله بموت القاضي نظر . خليل انظر الفرق بين نائب القاضي في انعزاله بموت القاضي وبين نائب الأمير في عدم انعزاله بموت الأمير ، وقد استشكله فضل وغيره ا هـ .

ابن مرزوق لم أطلع على هذا النقل ، وذكر ما يفيد أن القول بأن من ولاه القاضي لا ينعزل بموت القاضي ولا بعزله ، اقتصر عليه المتيطي وابن شاس ، ومقتضى كلامه ترجيحه وهو الموافق لظاهر كلام ابن الحاجب وأن ما ذكره المصنف تبع فيه ابن عبد السلام ، وهو مأخوذ من كلام ابن الماجشون . وذكر ابن عرفة أنه مأخوذ من كلام أصبغ ، ونصه المازري ، ذكر أصحاب الشافعي رضي الله عنه إن ولى القاضي رجلا على أمر معين كسماع بينة انعزل عن ذلك بانعزال القاضي ، وإن ولاه حكومة مستقلة ففي انعزاله [ ص: 280 ] بانعزاله ، ثالثها إن لم يكن بإذن من ولاه قلت لم يعز شيئا منها للمذهب ، ومفهوم ما تقدم لأصبغ انعزال نائب القاضي في حكم بموته أو عزله .

البرزلي سئل ابن رشد عن أمير مدينة كتب إلى الأمير الأعلى في تقديم قاض وعنى رجلا فكتب إليه بتوليته ففعل وكتب له صكا بتقديمه على أمر الأمير الأعلى ، فحكم بذلك ثم ولى صاحب مناكح فحكم بطول حياة القاضي وهو بعلم الأمير فمات القاضي وبقي صاحب المناكح على خطته وطريقه من شهادة الفقهاء عنده والإعلام بذلك فيما يرجع للنكاح والطلاق فهل تمضي أحكامه بعد موت القاضي أو تفسخ فأجاب لا تنقض أحكامه بموت القاضي وهو على خطته حتى يعزله من يولى بعد موت الأول وفعله جائز صحيح .




الخدمات العلمية