الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثاني: أخذ جزء من ربح ماله مقابل المضاربة به

        وفيه مسألتان:

        المسألة الأولى: مشروعية المضاربة بمال اليتيم، ونحوه.

        للولي أن يبيع ويشتري في مال اليتيم، وأن يدفعه لغيره مضاربة، بل صرح جمع من أهل العلم على استحباب ذلك.

        وهذا قول جمهور أهل العلم.

        ونص الشافعية: على أنه يجب على الولي حفظ مال الصبي عن أسباب التلف، واستنماؤه قدر ما تأكله المؤن من نفقة وغيرها إن أمكن.

        لكن اشترط الحنابلة شرطين: أن لا يتجر به إلا في المواضع الآمنة، وأن لا يدفعه إلا إلى الأمناء، ولعله مراد غيرهم.

        [ ص: 266 ] وحجة هذا القول:

        1- ما تقدم من الأدلة على قربان مال اليتيم بالتي هي أحسن، والإصلاح في ماله، ومما يدخل في ذلك المضاربة به.

        (323) 2- ما رواه الترمذي من طريق المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس فقال: «ألا من ولي يتيما له مال، فليتجر له، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة».

        [ ص: 267 ] وجه الدلالة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالاتجار في أموال اليتامى، فدل ذلك على مشروعية المضاربة في أموالهم.

        لكنه ضعيف لا يحتج به.

        (324) 3- ما رواه عبد الله في مسائله من طريق حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن ابن المسيب، عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: «ابتغوا في أموال اليتامى لا تستغرقها الصدقة».

        (325) 4- ما رواه أبو عبيد من طريق حميد بن هلال، عن محجن أو ابن محجن أو أبي محجن -الشك من شعبة- أن عمر قال لعثمان بن أبي العاص: كيف متجر أرضك؟ فإن عندنا مال يتيم قد كادت الزكاة تفنيه؟» قال: فدفعه إليه، فجاءه بربح، فقال له عمر: «اتجرت في عملنا؟ اردد علينا رأس مالنا» قال: فأخذ رأس ماله، ورد عليه الربح.

        وجه الدلالة من هذين الأثرين: فعل عمر -رضي الله عنه- وأمره بالعمل بأموال اليتامى في التجارة كيلا تأكلها الزكاة، فدل ذلك على مشروعية المضاربة في أموال اليتامى.

        (326) 5- ما رواه عبد الرزاق من طريق حبيب بن أبي ثابت، عن عبد الله بن أبي رافع قال: «باع لنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أرضا لنا بثمانين ألفا فأعطاناها، فإذا هي تنقص، فقال: كنت أزكيها».

        [ ص: 268 ] (327) 6- ما رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن القاسم بن محمد قال: «كنا يتامى في حجر عائشة، فكانت تزكي أموالنا ثم دفعته مقارضة فبورك لنا فيه».

        وجه الدلالة: أن عائشة -رضي الله عنها- كانت تدفع أموال اليتامى الذين في حجرها مضاربة، فدل ذلك على مشروعية المضاربة في أموال اليتامى.

        7- ولأن ذلك أحظ للمولى عليه; لتكون نفقته من فاضله وربحه كما يفعله البالغون في أموالهم.

        القول الثاني: عدم جواز المضاربة بماله.

        هو رواية عن الإمام أحمد.

        وحجته: اجتناب المخاطرة به، وأن خزنه أحفظ له.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن المضاربة بمال اليتيم مشروطة بانتفاء الخطر، ولا يسلم بأن خزنه أحفظ له، بل المضاربة به أحفظ لماله لينفق من فاضل ربحه، وخزنه سبب لاستهلاك الصدقة له.

        الترجيح:

        الراجح -والله أعلم- هو القول الأول; إذ هو الوارد عن الصحابة رضي الله عنهم.

        [ ص: 269 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية