الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الرابع: كيفية المحاسبة

        أقوال الفقهاء في كيفية محاسبة الأوصياء:

        اختلفت وجهات نظر الفقهاء في كيفية المحاسبة، ومدى قبول قول الناظر والوصي في مقدار غلال الأموال وتوزيعها، وذلك تبعا لما عايشوه في أزمنتهم، فكلما ضعفت الأمانة في زمن شدد الفقهاء في تقرير المحاسبة؛ ولذلك اختلفت نصوصهم في ذلك:

        فالحنفية: فرقوا بين الأمين وغير الأمين، فجعلوا محاسبة الأمين أخف من محاسبة غير الأمين، فاكتفوا في محاسبة الأمين بالإجمال، وأما المتهم فيلزم بالتفصيل .

        [ ص: 49 ] ولذلك قال الحصكفي الحنفي: «لا تلزم المحاسبة في كل عام، ويكتفي القاضي منه بالإجمال لو كان معروفا بالأمانة، ولو متهما يجبره على التعيين شيئا فشيئا، ولا يحبسه بل يهدده».

        أما قبول قوله فيما قدمه وفصله، فقالوا: يقبل قوله بلا بينة، أما توجه اليمين عليه: فإن كان أمينا قبل قوله بلا يمين إن وافق الظاهر، وإلا لم يقبل إلا باليمين، ورأى كثير منهم تحليفه.

        قال ابن عابدين: «لو اتهمه يحلفه -أي: وإن كان أمينا- كالمودع يدعي هلاك الوديعة أو ردها، قيل: إنما يستحلف إذا ادعى عليه شيئا معلوما، وقيل: يحلف على كل حال.

        وأما المالكية: فقد فرقوا أيضا في محاسبة الناظر بين الأمين وغير الأمين، فألزموه باليمين إذا كان متهما كشرط لقبول قوله، فإن كان أمينا قبل قوله عندهم بلا يمين إذا لم يشترط عليه الإشهاد عند الصرف، فإن شرط عليه لم يقبل قوله إلا بالإشهاد.

        قال الصاوي: «إذا ادعى الناظر أنه صرف الغلة صدق إن كان أمينا، ما لم يكن عليه شهود في أصل الوقف فلا يصرف إلا باطلاعهم، ولا يقبل بدونهم، وإذا ادعى أنه صرف على الوقف مالا من عنده صدق من غير يمين إن لم يكن متهما، وإلا فيحلف».

        [ ص: 50 ] وذهب بعضهم إلى أن قبول قول الناظر إنما يكون إذا كان الظاهر يوافق قوله، فإن خالفه لم يقبل قوله.

        وبناء على ذلك فإنه عند الحنفية والمالكية إذا خالف الظاهر قول الوصي لم يقبل قوله مطلقا، كأن يدعي أنه اشترى للمزرعة سيارة بمائة ألف ريال، والمعروف أن هذه السيارة لا تزيد قيمتها عن خمسين ألفا.

        والخلاصة في هذا: أن يقال: بأن الوصي أمين يقبل قوله فيما يتعلق بالموصى به، إلا إذا خالف الظاهر، أو كان متهما، فلا بد من البينة.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية