الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المسألة الرابعة: إعتاق رقيق اليتيم، ونحوه:

        وفيها أمران:

        الأمر الأول: إعتاقه على غير مال.

        لا يملك الولي إعتاق رقيق اليتيم على غير مال.

        [ ص: 321 ] وهذا مذهب الأئمة الأربعة.

        وحجته: ما تقدم من الأدلة على عدم جواز التبرع بماله بلا عوض.

        وأجاز الإمام أحمد رحمه الله: عتق عبد اليتيم مجانا إذا كان هناك مصلحة، مثل أن تكون له أمة لها ولد يساويان مجتمعين مائة، ولو أفردت ساوت مائتين، ولا يمكن إفرادها بالبيع، فيعتق الولد؛ لتكثر قيمة الأمة.

        وفي الإنصاف: «ولعل هذا كالمتفق عليه».

        وذهب بعض المالكية: إلى جواز إعتاقه بغير مال إذا كان الولي موسرا.

        بناء على أنه ينفذ عتقه على الولي.

        الأمر الثاني: إعتاقه على مال.

        اختلف العلماء في ذلك على قولين:

        القول الأول: أنه يجوز إعتاقه على مال، وكذا مكاتبته إذا كان له فيه حظ، مثل: أن تكون قيمته ألفا، فيكاتبه بألفين، أو يعتقه بهما.

        وهو مذهب المالكية، ومذهب الحنابلة.

        وحجته:

        1- ما تقدم من الأدلة على عدم قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن.

        وإذا كان إعتاقه على مال له في حظ فمن قربانه بالتي هي أحسن.

        [ ص: 322 ] 2- أنها معاوضة لليتيم فيها حظ فملكها وليه كبيعه.

        القول الثاني: أنها تجوز كتابته إذا كان له فيها حظ، ولا يجوز إعتاقه على ماله.

        وهو مذهب أبي حنيفة.

        وحجته:

        1- أن الإعتاق على مال تعليق له على شرط، فلم يملكه الولي قياسا على التعليق على دخول الدار.

        2- أن المقصود من العتق على مال العتق دون المعاوضة، ما يملكه الولي قياسا على الإعتاق بغير عوض.

        3- أن المكاتبة عقد معاوضة فيملكها الولي، فكانت في معنى البيع، بخلاف الإعتاق على مال، فليست عقد معاوضة.

        القول الثالث: لا تجوز كتابته ولا إعتاقه على مال.

        وهو مذهب الشافعي.

        وحجته:

        1- أن المقصود من الإعتاق والكتابة التبرع دون المعاوضة، فلم يجز كالإعتاق بغير عوض.

        [ ص: 323 ] 2- أن اليتيم يأخذ العوض من كسب الرقيق، وهو مال له فيصير كالعتق من غير عوض.

        ولعله يناقش هذا الاستدلال: بأن محصلها قياس الكتابة والإعتاق على مال الإعتاق مجانا، وهذا قياس مع الفارق; إذ لا حظ لليتيم في العتق مجانا، بخلاف الكتابة والعتق على مال، ففيهما نفع ظاهر خصوصا إذا اقتضت المصلحة ذلك.

        الترجيح:

        الراجح -والله أعلم- أن الكتابة والإعتاق على مال جائز مع المصلحة; لأنه من قربان مال اليتيم بالتي هي أحسن.

        * * *

        التالي السابق


        الخدمات العلمية