الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المسألة الثانية: قدر الأكل:

        اختلف العلماء المجيزون للأكل من مال اليتيم في قدر ما يأكله الولي على أقوال:

        [ ص: 333 ] القول الأول: أنه يأكل الأقل من كفايته وأجرته.

        وهو قول جمهور أهل العلم.

        وحجته: أنه يستحقه بالعمل والحاجة جميعا، فلا يجوز أن يأخذ إلا ما وجد فيه.

        القول الثاني: أن الولي يأكل بقدر عمله.

        وبه قال بعض الحنابلة.

        وحجته: أن الولي يستحق الأكل من مال اليتيم بالعمل فيتقدر بقدره.

        ولعله يناقش: بأنه لا يسلم بأنه لا يستحق الأكل إلا بالعمل فقط، بل به والحاجة جميعا.

        القول الثالث: أن الولي يأكل بقدر كفايته.

        وبه قال الشافعية.

        ولعل حجته: أنه رخص للولي أن يأكل بالمعروف.

        والمعروف هو قدر الكفاية; إذ لا إفراط ولا تفريط، فلا نقص على الولي ولا ظلم لليتيم، فهو ظاهر القرآن.

        القول الرابع: أنه يجوز للولي أن ينتفع بألبان الإبل، واستخدام العبيد، وركوب الدواب إذا لم يضر بأصل المال، أما أعيان الأموال وأصولها، فليس للوصي أخذها.

        [ ص: 334 ] وبه قال الشعبي، وأبو العالية.

        وحجته:

        (337) ما رواه عبد الرزاق من طريق القاسم بن محمد قال: جاء رجل إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- فقال: «إن في حجري أموال يتامى وهو يستأذنه أن يصيب منها، فقال ابن عباس: ألست تبغي ضالتها؟ قال: بلى. قال: ألست تهنأ جرباها؟ قال: بلى. قال: ألست تلوط حياضها؟ قال: بلى. قال: ألست تفرط عليها يوم وردها؟ قال: بلى. قال: فأصب من رسلها يعني: من لبنها».

        وجه الدلالة: أن ابن عباس -رضي الله عنهما- رخص للسائل أن يصيب من أموال اليتامى الذين في حجره، وهذا يشمل الانتفاع بأعيان الأموال من ركوب الدواب، واستخدام للعبيد، ونحو ذلك.

        ونوقش هذا الاستدلال:

        بأنه لا دلالة في الأثر على ما احتجوا به، فابن عباس -رضي الله عنهما- إنما رخص في ألبان الإبل، ولم يرخص في منافع الأعيان، واللبن عين وليس منفعة، وقد أجاز ابن عباس -رضي الله عنهما- شربه.

        الترجيح:

        الأقرب -والله أعلم- القول الأول; لأنه أحوط لمال اليتيم، وأبرأ للذمة.

        [ ص: 335 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية