الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المسألة الثالثة: التفريق بين اليتيمة واليتيم في الرشد:

        اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:

        القول الأول: إن اليتيمة كاليتيم بلا فرق، فإذا بلغت اليتيمة وأونس رشدها بعد بلوغها زال الحجر عنها، ودفع إليها مالها وإن لم تتزوج.

        وبه قال الحنفية والشافعية والحنابلة.

        واحتجوا بما يلي:

        1- عموم قوله تعالى: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم

        [ ص: 364 ] فلفظة (اليتامى) تشمل اليتيم واليتيمة; لأن اليتيمة تجمع على اليتامى، كما يجمع اليتيم على اليتامى أيضا، يؤيد ذلك بالنسبة لليتيمة قوله تعالى: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ، وقوله تعالى: في يتامى النساء .

        2- ولأنها بالغة رشيدة، فجاز لها التصرف في مالها، كالتي دخل بها الزوج.

        القول الثاني: إن اليتيمة لا يفك الحجر عنها ولا يدفع إليها مالها -وإن بلغت رشيدة- حتى تتزوج، ويدخل بها زوجها، ويؤنس رشدها، كما كانت قبل التزويج.

        وإليه ذهب مالك، وأحمد في رواية، إلا أن أحمد زاد في هذه الرواية: حتى تلد أو يمضي عليها سنة في بيت الزوج.

        في حاشية الدسوقي: «(وزيد في الأنثى) المحجورة على ما تقدم من حفظ المال في ذات الأب وفك الوصي والمقدم (دخول زوج) بها ( وشهادة العدول) اثنين فأكثر (على صلاح حالها) أي: حسن تصرفها، فإن لم يدخل فهي على الحجر ولو شهد برشدها، ومجرد الدخول كاف في ذات الأب (ولو جدد أبوها حجرا) عليها، ولا عبرة بتجديده (على الأرجح) صوابه على الأظهر، ومع ذلك فابن رشد لم يرتب هذا على القول بالشهادة على صلاح حالها بعد الدخول، بل على مقابله، وهو أنه لا ينفك عنها الحجر إلا بعد مضي سنة من الدخول، وقيل: ستة أعوام، وقيل: سبعة، فإذا مضى ما ذكر انفك عنها الحجر ولو كان أبوها جدد عليها حجرا بعد الدخول، وقبل مضي [ ص: 365 ] المدة المحددة بلا احتياج إلى فك منه، ولا يقبل منه أنها سفيهة إلا إذا ثبت ذلك، وأما ذات الوصي والمقدم فلا بد من فك بعد الدخول كما هو الموضوع; إذ الموضوع زيادة أمرين على ما تقدم الدخول والشهادة المذكورة، أو مضي عام أو أكثر على ما تقدم، وأما المهملة فأفعالها مردودة حتى يمضي لها عام بعد الدخول».

        وحجته: قال ابن العربي: «والحكمة في الفرق بينهما... أن الذكر بتصرفه وملاقاته للناس من أول نشأته إلى بلوغه يحصل به الاختبار، ويكمل عقله بالبلوغ، فيحصل له الغرض، وأما المرأة فبكونها محجوبة لا تعاني الأمور، ولا تخالط، ولا تبرز لأجل حياء البكارة، وقف فيها على وجود النكاح، فبه تفهم المقاصد كلها».

        ونوقش: بأن نفس الوطء لا يزيدها في رشدها إذا كانت عارفة بجميع أمورها ومقاصدها غير مبذرة لمالها.

        * * *

        التالي السابق


        الخدمات العلمية