الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثاني: انفراد أحد الوصيين بالتصرف

        إذا أوصى شخص إلى شخصين، فلا يخلو الأمر من ثلاث حالات:

        الحال الأولى: أن يصرح بأن لكل واحد منهما حق الانفراد بالتصرف.

        وفي هذه الحالة يملك كل واحد من الوصيين حق الانفراد بالتصرف بغير خلاف بين أهل العلم؛ لأنه جعل كل واحد منهما وصية منفردة، وهذا يقتضي جواز الانفراد.

        الحال الثانية: أن يصرح باجتماعهما على التصرف.

        وفي هذه الحالة ليس لواحد منهما أن ينفرد بالتصرف بغير خلاف بين أهل العلم؛ لأن الموصي لم يجعل ذلك إليه، ولم يرض بنظره وحده.

        الحال الثالثة: أن يطلق.

        وهذه الحالة لا تخلو من أمرين:

        الأمر الأول: أن يكون الموصى به مما يحتاج فيه إلى الرأي.

        وفيها فرعان:

        [ ص: 54 ] الفرع الأول: أن يكون الموصى به مما يحتاج فيه إلى الرأي ويمكن الاجتماع عليه، وذلك كتفرقة الثلث، وأمور الأطفال، والتصرف في أموالهم، ونحو ذلك.

        وقد اختلف الفقهاء -رحمهم الله- في حكم انفراد أحد الوصيين بالتصرف على قولين:

        القول الأول: لا يجوز لأحد الوصيين أن ينفرد بالتصرف.

        وهو قول أكثر الحنفية، وقول المالكية، والشافعية، والحنابلة.

        القول الثاني: يجوز لأحد الوصيين أن ينفرد بالتصرف.

        وهو قول أبي يوسف من الحنفية.

        أدلة القول الأول: (عدم جواز انفراد أحد الوصيين بالتصرف) :

        1- قوله تعالى: فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه

        وفي انفراد أحد الوصيين بالتصرف تبديل للوصية.

        2- أن الموصي شرك بينهما في النظر، ولم يرض بانفراد أحدهما، فلزم أن لا يملك الانفراد به.

        3- القياس على الوكالة.

        فكما لا يملك أحد الوكيلين الانفراد بالتصرف، فكذلك في الوصية.

        [ ص: 55 ] إذ الوصايا أغلظ حالا من الوكالات.

        4- أن ما يحتمل التأخير لا حاجة إلى انفراد أحد الوصيين بالتصرف دون الآخر.

        5- أن سبب هذه الولاية التفويض «فيراعى وصف التفويض، وهو وصف سماع; لأنه شرط مفيد; إذ رأي الواحد لا يكون كرأي المثنى، ولم يرض الموصي...، فصار كل واحد في هذا السبب بمنزلة شطر العلة، وهو لا يثبت به... فكان باطلا».

        6- أن في انفراد أحد الوصيين بالنظر إسقاط حق الآخر من الشركة له.

        7- أن هذا «تصرف لم يرض به الموصي فلم يجز، أصله تصرف الأجنبي».

        دليل القول الثاني: (جواز انفراد أحد الوصيين بالتصرف) :

        1- أن الموصي يتصف بكمال التصرف في الموصى به، والوصاية خلافة، فيكون لكل وصي من التصرف ما كان للموصي ليتحقق معنى الخلافة .

        ونوقش: بالفرق؛ حيث إن الموصي جعل الولاية لكل منهما.

        2- أن لكل واحد من الأخوين أن ينفرد بالإنكاح لحكم الولاية.

        [ ص: 56 ] فكذلك يكون لكل واحد من الوصيين أن ينفرد بالتصرف لشبه الوصاية بالولاية في النكاح.

        ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

        الوجه الأول: أن السبب في جواز انفراد أحد الأخوين بالإنكاح هو القرابة التي اتصف بها كل واحد منهم بخلاف الوصيين، فإن تصرفهما سببه الوصية لهما، فلا يكون لأحد منهما الانفراد من غير إذن الموصي.

        الوجه الثاني: أن الإنكاح حق للمرأة على الولي، فلو طالبته بإنكاحها من كفء وجب عليه إنكاحها، أما الوصية فإن حق التصرف في الوصية لكل منهما.

        3- أن ما لا يحتمل التأخير، فإن الحاجة وخوف الضرر يدعوان إلى جواز الانفراد فيه.

        ونوقش: بأنه لا فرق بين ما لا يحتمل التأخير، وبين ما يحتمله; إذ الكل موص به لهما.

        4- أن الوصاية سبيلها الولاية، وهي وصف شرعي لا يتجزأ، فيثبت لكل منها كاملا.

        ونوقش: بأن ما قاله أبو يوسف من أن الوصاية والولاية لا تتبعض نقول به، وفي مسألتنا جعل الموصي الولاية إلى الوصيين باجتماعهما، فليست متبعضة.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية