الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثالث: بيان رشد اليتيم

        وفيه مسائل:

        المسألة الأولى: تعريف الرشد:

        في المصباح: «الرشد: الصلاح، وهو خلاف الغي والضلال، وهو إصابة الصواب، ورشد رشدا من باب تعب، ورشد يرشد من باب قتل، فهو راشد، والاسم الرشاد، ويتعدى بالهمزة، ورشده القاضي ترشيدا: جعله رشيدا، واسترشدته فأرشدني إلى الشيء وعليه وله، قاله أبو زيد، وهو لرشدة: أي صحيح النسب، بكسر الراء، والفتح لغة».

        وعند الفقهاء: اختلف الفقهاء في تأويل الرشد على قولين:

        القول الأول: إن الرشد هو الصلاح في المال لا غير.

        وإليه ذهب الحنفية، والمالكية، وهو وجه عند الشافعية [ ص: 357 ] والحنابلة في المذهب عندهم.

        وحجته:

        1- قوله تعالى: فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم .

        (343) ما رواه البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله تعالى: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم قال: يقول الله -تبارك وتعالى-: اختبروا اليتامى عند الحلم، فإن عرفتم منهم الرشد في حالهم، والإصلاح في أموالهم، فادفعوا إليهم أموالهم، وأشهدوا عليهم.

        (344) وما رواه مسلم من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن يزيد بن هرمز: «أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خمس خلال؟... وكتبت تسألني متى ينقضي يتم اليتيم؟ فلعمري إن الرجل لتنبت لحيته، وإنه لضعيف الأخذ لنفسه، ضعيف العطاء منها، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم».

        2- أن كلمة (رشدا) نكرة، في سياق الإثبات، فلا تعم، فمن كان مصلحا لماله، فقد وجد منه رشد.

        3- أن العدالة لا تعتبر في الرشد في الدوام، فلا تعتبر في الابتداء كالزهد في الدنيا.

        [ ص: 358 ] 4- أن الحجر عليه إنما كان لحفظ ماله، فالمؤثر فيه ما أثر في تضييع المال أو حفظه.

        قال ابن جرير الطبري: «وأولى هذه الأقوال عندي بمعنى الرشد في هذا الموضع: العقل وإصلاح المال; لإجماع الجميع على أنه إذا كان كذلك لم يكن ممن يستحق الحجر عليه في ماله، وحوز ما في يده عنه، وإن كان فاجرا في دينه، وإذ كان ذلك إجماعا من الجميع، فكذلك حكمه إذا بلغ وله مال في يدي وصي أبيه، أو في يد حاكم قد ولي ماله لطفولته واجب عليه تسليم ماله إليه، إذا كان عاقلا بالغا، مصلحا لماله غير مفسد; لأن المعنى الذي به يستحق أن يولى على ماله الذي هو في يده، هو المعنى الذي به يستحق أن يمنع يده من ماله الذي هو في يد ولي، فإنه لا فرق بين ذلك».

        القول الثاني: الرشد هو صلاح الدين والمال جميعا.

        وبه قال الشافعية، والحنابلة في رواية، واختارها ابن عقيل.

        وحجته:

        1- قوله تعالى: فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم .

        (345) ما رواه البيهقي من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في هذه الآية قال: «رأيتم منهم صلاحا في دينهم، وحفظا لأموالهم».

        2- أن الفاسق غير رشيد.

        [ ص: 359 ] ونوقش: بأنه غير رشيد في دينه، أما في ماله وحفظه فهو رشيد، ثم هو منتقض بالكافر فإنه غير رشيد، ولم يحجر عليه من أجله، ولو كانت العدالة شرطا في الرشد لزال بزوالها كحفظ المال.

        3- أن إفساده لدينه يمنع رشده والثقة به في حفظ ماله، كما يسقط عدالته، ويمنع من قبول قوله وثبوت الولاية على غيره، وإن لم يعرف منه كذب ولا تبذير.

        ونوقش: بأنه لا يلزم من منع قبول القول منع دفع ماله إليه، فإن من يعرف بكثرة الغلط والغفلة والنسيان، وعند بعض العلماء من يأكل في السوق ويمد رجليه في مجامع الناس وأشباههم لا تقبل شهادتهم، وتدفع إليهم أموالهم.

        4- أن كلمة (رشدا) نكرة واقعة في سياق الشرط، فتعم.

        ونوقش: بأنه استدلال في محل النزاع.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية