الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المسألة الثالثة، كون الأكل مجانا:

        اختلف العلماء رحمهم الله في أكل الولي هل هو على سبيل القرض، إذا استغنى رد ما أكل على اليتيم، أو على سبيل الإباحة؟ على قولين:

        القول الأول: أن أكله على سبيل الإباحة، فلا يجب رد بدله إذا استغنى.

        وبه قال جمهور القائلين بالجواز.

        وحجته:

        1- قوله تعالى: ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف

        وتقدم عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: «أنزلت في ولي اليتيم الذي يقيم عليه، ويصلح في ماله إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف».

        وجه الدلالة: أن الله تعالى أمر بالأكل من غير ذكر عوض، فأشبه سائر ما أمر بأكله.

        2- حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كل من مال يتيمك غير مسرف، ولا مبادر، ولا متأثل».

        وجه الدلالة: كما سبق من الآية.

        3- ما ورد عن الصحابة، بالإذن بالأكل.

        [ ص: 336 ] وما ترتب على المأذون غير مضمون.

        4- أنه عوض عن عمله، فلم يلزمه بدله كالأجير والمضارب.

        5- أنه لو وجب على الولي إذا أيسر قضاء ما أكل من مال اليتيم لكان واجبا في الذمة قبل اليسار، فإن اليسار ليس سببا للوجوب.

        القول الثاني: أنه يلزمه عوضه إذا أيسر.

        وهو وجه عند الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد، وبه قال عطاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وغيرهم.

        وحجته:

        1- قوله تعالى: فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم .

        وجه الدلالة: أن الله -عز وجل- أمر بالإشهاد على الأيتام عند دفع المال إليهم، ولو كان المال في أيدي الأولياء بطريق الأمانة لكان لا حاجة إلى الإشهاد; لأن القول قول الولي... وإنما الحاجة إلى الإشهاد عند الأخذ قرضا ليأكل منه; لأن في قضاء الدين القول قول صاحب الدين، لا قول من يقضي الدين.

        ونوقش هذا الاستدلال: أن سياق الآيات يدل على أن الأمر بالإشهاد إنما هو عند دفع المال إليه إذا بلغ ورشد، فإذا وقع خلاف في أخذه ماله أمكن إقامة البينة، فالأمر بالإشهاد للاحتياط ونفي التهمة عن الولي، وليس [ ص: 337 ] لأن المال في يد الولي ليس أمانة، بل هو أمانة في يد الولي; لأنه من قبض المال بإذن الشارع، أو إذن الولي فهو أمانة في يده.

        2- ما ورد عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: «ألا إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة الولي من مال اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، فإذا أيسرت رددت».

        ولعله يناقش: بأن الوارد عن عمر -رضي الله عنه- على سبيل الاحتياط.

        (338) 3- ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قال: «هو القرض».

        لكنه ضعيف.

        4- وللحاجة إلى مال غيره، فلزمه قضاؤه كالمضطر إلى طعام غيره.

        ولعله يناقش من وجهين:

        الأول: أن المضطر لم يأكله عوضا عن شيء، بخلاف ولي اليتيم فإنه مقابل ولايته.

        الثاني: أن لزوم القضاء على المضطر إذا كان فقيرا حال الضرورة موضع خلاف بين أهل العلم، فشيخ الإسلام لا يرى وجوب العوض على المضطر إذا كان فقيرا

        الترجيح:

        الراجح -والله أعلم- عدم وجوب العوض; إذ ما ترتب على المأذون غير مضمون.

        [ ص: 338 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية