الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المبحث السابع: محاسبة الوصي

        وفيه مطالب:

        المطلب الأول: تعريف المحاسبة، وبيان مشروعيتها

        تعريف المحاسبة:

        المحاسبة: من الحسب: وهو العد والإحصاء، والحسب والمحاسبة: عدك الشيء.

        والحسب يطلق على قدر الشيء، يقال: الأجر بحسب ما عملت، وحسبه، أي: قدره.

        ويطلق على الاكتفاء، ومنه قوله تعالى: يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين أي: يكفيك الله، ويكفي من اتبعك.

        وإنما سمي الحساب في المعاملات حسابا; لأنه يعلم به ما فيه كفاية ليس فيه زيادة على المقدار ولا نقصان.

        [ ص: 43 ] وأما في الاصطلاح: فتختلف باختلاف الأبواب: فالحساب في اصطلاح الفرضيين مثلا: تأصيل المسائل، وحسابها.

        وفي الاصطلاح: قواعد يتوصل بها إلى استخراج المجهولات العددية.

        والمحاسبة هنا: متابعة العامل ومناقشته، ومساءلته عما أسند إليه.

        جاء في المعجم الوسيط: «حاسبه محاسبة وحسابا: ناقشه الحساب وجازاه».

        مشروعية محاسبة الوصي: قرر أهل العلم قاعدة ترسم حدود التصرفات النافذة لكل متول على غيره، فقالوا: ( التصرف على الرعية منوط بالمصلحة) وعبر عنها السبكي بلفظ مناسب لمقامنا إذ قال: «كل متصرف عن الغير، فعليه أن يتصرف بالمصلحة».

        قال العز بن عبد السلام: «يتصرف الولاة ونوابهم بما هو أصلح للمولى عليه؛ درءا للضرر والفساد، وجلبا للنفع والرشاد، ولا يتخيرون في التصرف حسب تخيرهم في حقوق أنفسهم مثل أن يبيعوا درهما بدرهم، أو مكيلة زبيب بمثلها».

        قال ابن تيمية: «الناظر ليس له أن يفعل شيئا في أمر الوقف إلا بمقتضي المصلحة الشرعية، وعليه أن يفعل الأصلح، فالأصلح، وإذا جعل الواقف للناظر صرف من شاء، وزيادة من أراد زيادته ونقصانه، فليس للذي يستحقه بهذا الشرط أن يفعل ما يشتهيه، أو ما يكون فيه اتباع الظن وما تهوى الأنفس; بل الذي يستحقه بهذا الشرط أن يفعل من الأمور الذي هو خير [ ص: 44 ] ما يكون إرضاء لله ورسوله، وهذا في كل من تصرف لغيره بحكم الولاية كالإمام، والحاكم، والواقف، وناظر الوقف، وغيرهم، إذا قيل هو مخير بين كذا وكذا، أو يفعل ما يشاء، وما رأى، فإنما ذاك تخيير مصلحة، لا تخيير شهوة».

        وإذا تقرر أن الولي لا يتصرف إلا بمقتضى المصلحة والغبطة، وأنه ممنوع من التصرف بخلاف ذلك; ساغ الإشراف عليه ومحاسبته والرقابة عليه; لئلا يخل بمقتضى المصلحة التي أنيطت تصرفاته بها.

        والوصي أمين على ما تحت يده من أموال، لا يضمن ما تلف بلا تفريط، والأصل صدقه فيما يقول، لكن ذلك لا يمنع محاسبته ومتابعته، فإن أئمة سلف الأمة لم يطلقوا الأمر للأمناء، بل تابعوهم وحاسبوهم، فأمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- كان يحاسب عماله ويراقبهم.

        قال أبو حامد الغزالي: «لقد كان عمر يراقب الولاة بعين كالئة ساهرة».

        وقال ابن نجيم نقلا عن القنية: «ينبغي للقاضي أن يحاسب أمناءه فيما في أيديهم من أموال اليتامى ليعرف الخائن فيستبدله، وكذا القوام على الأوقاف».

        * * *

        [ ص: 45 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية