الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقد اتفق أهل الحديث من السلف على هذا .

ولا ينحصر ما نقل عنهم من التشديدات فيه ، وقالوا ما سكت عنه الصحابة مع أنهم أعرف بالحقائق وأفصح بترتيب الألفاظ من غيرهم إلا لعلمهم بما يتولد منه من الشر .

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون هلك المتنطعون ، أي : المتعمقون في البحث والاستقصاء .

التالي السابق


(وقد اتفق أهل الحديث) من السلف الصالحين (على هذا) الذي ذكر من ذم علم الكلام والنهي عن الاشتغال به، وأجمعوا عليه (ولا ينحصر ما نقل عنهم من التشديدات) والتهديدات (فيه، وقالوا) مستدلين بأن (ما سكت عنه الصحابة) رضوان الله عليهم (مع أنهم أعرف بالحقائق) اللغوية والشرعية (وأفصح بترتيب الألفاظ) بعضها مع بعض (من غيرهم) ممن أتى بعدهم (إلا لعلمهم بما يتولد منه من الشر) فمن ذلك ما أخرجه اللالكائي في "السنة" من رواية يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرنا عبد الله بن محمد بن زياد، ومالك بن أنس، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ذروني ما تركتكم؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم". أخرجه البخاري من رواية مالك، ومسلم من رواية سفيان عن

أبي الزناد. وأخرج من رواية أبي العوام عن قتادة: ومن الناس من يجادل في الله بغير علم قال: صاحب بدعة يدعو إلى بدعته .

(ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، ثلاث مرات) هكذا أخرجه مسلم في القدر، من صحيحه، قال: "قال ذلك ثلاثا"، وأخرجه الإمام أحمد في القدر أيضا، وأبو داود في السنة، وليس عندهما ذكره "ثلاث مرات"، كلهم عن ابن مسعود -رضي الله عنه- رفعه (أي: المتعمقون) المتقعرون (في البحث والاستقصاء) ، يقال: تنطع الرجل إذا تنطس في عمله، قال الزمخشري في "الفائق": أراد النهي عن التمادي والتلاحي في القراءات المختلفة، وإن مرجعها إلى واحد من الحسن والصواب. اهـ .

وقال النووي: فيه كراهة التقعر في الكلام بالتشدق، وتكلف الفصاحة واستعمال وحشي اللغة ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام ونحوهم. اهـ .

وقال غيره: المراد بالحديث الغالبون في خوضهم فيما لا يعنيهم، وقيل: المتعنتون في السؤال من عويص المسائل التي يندر وقوعها، وقيل: المبالغون في العبادة بحيث تخرج عن قوانين الشريعة ويسترسل مع الشيطان في الوسوسة .

وقال الحافظ ابن حجر: قال بعض الأئمة: التحقيق أن البحث عما لا يوجد فيه نص قسمان: أحدهما: أن يبحث في دخوله في دلالة النص على اختلاف وجوهها، فهذا مطلوب، لا مكروه، بل ربما كان فرضا على من تعين عليه، الثاني: أن يدقق النظر في وجوه الفروق، فيفرق بين المتماثلين بفرق، ولا أثر له في الشرع مع وجود وصف الجمع، أو بالعكس بأن يجمع بين متفرقين بوصف طردي مثلا، فهذا الذي ذمه السلف وعابه، وعليه ينطبق خبر: "هلك المتنطعون"، فرأوا أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته، ومثله الإكثار من التفريع على مسألة لا أصل لها في كتاب ولا سنة ولا إجماع، وهي نادرة الوقوع، فيصرف فيها زمنا كان يصرفه في غيرها أولى، سيما إن لزم منه إغفال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه .

وأشد منه البحث عن أمور معينة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها، ومنها ما يكون له شاهد في عالم الحس، كالسؤال عن الساعة والروح، ومدة هذه الأمة، إلى أمثال ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل الصرف، وأكثر ذلك لم يثبت فيه شيء، فيجب الإيمان به بغير بحث .




الخدمات العلمية