الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
القسم الرابع : أن يدرك الإنسان الشيء جملة ثم يدركه تفصيلا بالتحقيق والذوق بأن يصير حالا ملابسا له فيتفاوت العلمان ويكون الأول كالقشر والثاني كاللباب والأول كالظاهر والثاني ، كالباطن وذلك كما يتمثل للإنسان في عينه شخص في الظلمة أو على البعد فيحصل له نوع علم ، فإذا رآه بالقرب أو بعد زوال الظلام أدرك تفرقة بينهما ولا يكون الأخير ضد الأول بل هو استكمال له .

فكذلك العلم والإيمان والتصديق إذ قد يصدق الإنسان بوجود العشق والمرض والموت قبل وقوعه ولكن تحققه به عند الوقوع أكمل من تحققه قبل الوقوع بل للإنسان في الشهوة والعشق وسائر الأحوال ثلاثة أحوال متفاوتة وإدراكات ، متباينة :

الأول تصديقه بوجوده قبل وقوعه .

والثاني ، عند وقوعه .

والثالث ، بعد تصرفه .

فإن تحققك بالجوع بعد زواله يخالف التحقيق قبل الزوال وكذلك من علوم الدين ما يصير ذوقا فيكمل فيكون ذلك كالباطن بالإضافة إلى ما قبل ذلك ففرق بين علم المريض بالصحة وبين علم الصحيح بها .

ففي هذه الأقسام الأربعة تتفاوت الخلق وليس في شيء منها باطن يناقض الظاهر بل يتممه ويكمله كما يتمم اللب القشر ، والسلام .

التالي السابق


(القسم الرابع: أن يدرك الإنسان الشيء جملة) أي: على وجه الإجمال (ثم يدركه) بعد (تفصيلا) ، وذلك (بالتحقق) أي: الإثبات بدليل (والذوق) وهو التجربة (بأن يصير حالا ملابسا له فيتفاوت العلمان) فالعلم الأول إجمالي، والثاني تفصيلي، هبه بدليل أو تجربة (ويكون الأول كالقشر) الخارج عن اللب (والثاني كاللباب) المحض الذي يحيط به القشر (ويكون الأول كالظاهر، والآخر كالباطن) وكل من التعبيرين صحيحان .

(وذلك كما يتمثل للإنسان في عينه) ويتراءى (شخص) أي: شبح (إما في الظلمة) الحاجبة من الانكشاف (أو على البعد) منه في المسافة (فيحصل له) من ذلك التمثيل (نوع علم، فإذا رآه بالقرب) منه بان قرب الرائي منه أو المرئي (أو بعد زوال الظلام) المانع له من انكشافه (أدرك تفرقة بينهما) أي: بين العلمين (ولا يكون الآخر ضد الأول) لعدم منافاة أحدهما الآخر في أوصافه الخاصة (بل هو استكمال له) أي: طلب كماله (فكذلك في العلم والإيمان والتصديق) يكون أولا شيئا قليلا، ثم يكمل (إذ قد يصدق الإنسان بوجود العشق) وهو الإفراط في المحبة (والمرض) وهو خروج البدن عن الاعتدال الخاص (والموت) وهو صفة وجودية خلقت ضد الحياة (قبل وقوعه) أي: كل منها (ولكن تحققه به عند الوقوع) أكمل من تحققه قبل الوقوع، وهي مرتبة حق اليقين (بل للإنسان في الشهوة) وهي نزوع النفس لما تريده (والعشق) بل (و) في (سائر الأحوال ثلاثة أحوال) وفي بعض النسخ: :بل الإنسان في الشهوة والعشق [ ص: 78 ] وسائر الأحوال ثلاثة أحوال (متفاوتة، و) ثلاثة (إدراكات متباينة: الأول تصديقه بوجوده قبل وقوعه، والآخر عند وقوعه، والآخر بعد تصرمه) وانقضائه، وهذا ظاهر؛ (فإن تحققك بالجوع) مثلا (بعد زواله) بالأكل (يخالف التحقق به قبل الزوال) فالإدراك الذي يحصل في الأول غير الذي يحصل في الثاني (وكذلك في علوم الدين) منها (ما يصير ذوقا) محققا (فيكمل) بعد أن كان ناقصا (فيكون ذلك كالباطن بالإضافة إلى ما قبل ذلك) وهو الحاصل عن غير تحقيق وذوق (ففرق بين علم المريض بالصحة) في البدن وهي حالة طبيعية تجرى أفعاله معها على المجرى الطبيعي (وبين علم الصحيح بها، ففي هذه الأقسام الأربعة) المذكورة (تتفاوت الخلق وليس في شيء منه) أي: من مجموع تلك الأقسام (باطن يناقض الظاهر) ولا ظاهر يناقض الباطن (بل يتممه) ويكمله (كما يتمم اللب القشرة، والسلام) على أهل التسليم .




الخدمات العلمية