الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الهادي صفوة العبيد إلى المنهج الرشيد والمسلك السديد المنعم عليهم بعد شهادة التوحيد بحراسة عقائدهم عن ظلمات التشكيك والترديد السالك بهم إلى اتباع رسوله المصطفى واقتفاء آثار صحبه الأكرمين المكرمين بالتأييد والتسديد المتجلي لهم في ذاته وأفعاله بمحاسن أوصافه التي لا يدركها إلا من ألقى السمع وهو شهيد .

التالي السابق


(الهادي) أي: المرشد، فيقال: هداه هداية، إذا أرشده .

(صفوة العبيد) أي: خلاصتهم، اسم من الاصطفاء، وهو الاختيار، والعبيد جمع للعبد (إلى المنهج) بفتح الميم، وسكون النون، بالطريق الواضح، وكذلك المنهاج والنهج، وقد نهج الطريق -من حد "منع"- نهوجا: وضح واستبان، وأنهج بالألف مثله (الرشيد) ، أي: المستقيم المصلح (والمسلك السديد) من السداد، وهو كل ما يسد به الخلل، والمراد هنا: الاستقامة؛ فهو يرجع إلى معنى الرشيد (المنعم عليهم) ، أي: على العبيد (بعد شهادة التوحيد) الشهادة: قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصر أو بصيرة، وقد يعبر بها عن الإقرار والبيان والحكم والإعلام، والتوحيد: مصدر وحد، إذا أوقع نسبة الواحد إلى موضوعه .

(بحراسة) أي: حفظ وصيانة (عقائدهم) التي عقدوا عليها القلوب والضمائر (عن ظلمات) أي: شبهات (التشكيك والترديد) أي: إيقاع الشك والتردد فيها، وتصميم القلب على إدراك تصوري أو تصديقي، والتصديقي علم إن كان جزما ومطابقا عن موجب، وجهل إن لم يطابق، واعتقاد إن طابق لغير موجب، ويسمى تقليدا وظنا إن لم يجزم بها وكان راجحا (السائق لهم) بمحض عنايته (إلى اتباع) طريقة (رسوله) وحبيبه (المصطفى) [ ص: 19 ] المختار -صلى الله عليه وسلم- .

(واقتفاء) أي: اتباع (آثار صحبه) جمع صاحب، كركب وراكب، وهم الذين تشرفوا بمشاهدة وجهه، وتلقي الأحكام عنه (الأكرمين المكرمين) أي: المعظمين المبجلين المفضلين (بالتأييد) الإلهي (والتسديد) أي: موافقة الصواب (المتجلي لهم) أي: الظاهر لهم، ومنه قوله تعالى: فلما تجلى ربه ، أي: ظهر أمره (في ذاته) أي: نفسه وعينه، وهذا اللفظ ليس من كلام العرب، إنما يستعمله المتكلمون، فيقولون: ذات الشيء، بالمعنى الذي ذكرناه، ويستعملونه مفردا ومضافا لظاهر تارة، ومضمر أخرى، وينكرونه مقطوعا عن الإضافة، ومعرفة ومعرفا بأل، فيقولون: ذاتك، وذات من الذوات، فيجرونه مجرى النفس. نبه عليه الراغب.

(وأفعاله) الإبداعية (بمحاسن أوصافه) جمع وصف، هو والنعت مترادفان، وبعضهم جعل النعت أخص منه؛ فلا يقال: نعت، إلا فيما هو محقق، بخلاف الوصف، والظاهر الأول، والمحاسن جمع حسن، على غير قياس (التي لا يدركها) إدراكا كما ينبغي ويليق (إلا من) كان له قلب واع متيقظ لتلقي أسرار تلك المحاسن بالانكشاف، ثم (ألقى السمع) وأصغى (وهو شهيد) حاضر القلب، وفي هذا السياق رمز صريح إلى أنه لا يحيط مخلوق حق حقيقة ذات الخالق إلا بالحيرة والدهشة، وأما اتساع المعرفة والإدراك فإنما يكون في معرفة أسمائه وصفاته، وكل يعطى على قدر مقامه واجتهاده، فتفاوت المراتب إنما هو في معرفة الأسماء والصفات، فتأمل .




الخدمات العلمية