الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
(الفصل الرابع)

هذه المسائل التي تلقاها الإمامان الأشعري والماتريدي، وهي أصول الأئمة -رحمهم الله تعالى-؛ فالأشعري بنى كتبه على مسائل من مذهب الإمامين مالك والشافعي، أخذ ذلك بوسائط فأيدها وهذبها، والماتريدي كذلك أخذها من نصوص الإمام أبي حنيفة، وهي في خمسة كتب "الفقه الأكبر"، و"الرسالة"، و"الفقه الأبسط"، وكتاب "العالم والمتعلم" و"الوصية"، نسبت إلى الإمام، واختلف في ذلك كثيرا، فمنهم من ينكر عزوها إلى الإمام مطلقا، وأنها ليست من عمله، ومنهم من ينسبها إلى محمد بن يوسف النجاري، المكنى بأبي حنيفة، وهذا قول المعتزلة؛ لما فيها من إبطال نصوصهم الزائغة، وادعائهم كون الإمام منهم، كما في "المناقب الكردرية"، وهذا [ ص: 14 ] كذب منهم على الإمام؛ فإنه -رضي الله عنه- وصاحباه أول من تكلم في أصول الدين وأتقنها بقواطع البراهين على رأس المئة الأولى .

ففي "التبصرة البغدادية" أول متكلمي أهل السنة من الفقهاء أبو حنيفة، ألف فيه "الفقه الأكبر" و"الرسالة" في نصرة أهل السنة، وقد ناظر فرقة الخوارج والشيعة والقدرية والدهرية، وكانت دعاتهم بالبصرة، فسافر إليها نيفا وعشرين مرة، وفضهم بالأدلة الباهرة، وبلغ في الكلام إلى أنه كان المشار إليه بين الأنام، واقتفى به تلامذته الأعلام. اهـ .

وفي مناقب الكردري عن خالد بن زيد العمري أنه كان أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وحماد بن أبي حنيفة قد خصموا بالكلام الناس، أي: ألزموا المخالفين، وهم أئمة العلم. وعن الإمام أبي عبد الله الصيمري أن الإمام أبا حنيفة كان متكلم هذه الأمة في زمانه، وفقيههم في الحلال والحرام.

وقد علم مما تقدم أن هذه الكتب من تأليف الإمام نفسه، والصحيح أن هذه المسائل المذكورة في هذه الكتب من أمالي الإمام التي أملاها على أصحابه، كحماد وأبي يوسف وأبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي، وأبي مقاتل حفص بن مسلم السمرقندي، فمنهم الذين قاموا بجمعها، وتلقاها عنهم جماعة من الأئمة، كإسماعيل بن حماد، ومحمد بن مقاتل الرازي، ومحمد بن سماعة، ونصير بن يحيى البلخي، وشداد بن الحكم، وغيرهم، إلى أن وصلت بالإسناد الصحيح إلى الإمام أبي منصور الماتريدي، فمن عزاهن إلى الإمام صح؛ لكون تلك المسائل من إملائه، ومن عزاهن إلى أبي مطيع البلخي أو غيره ممن هو في طبقته، أو ممن هو بعدهم، صح; لكونها من جمعه .

ونظير ذلك المسند، المنسوب للإمام الشافعي، فإنه من تخريج أبي عمر، ومحمد بن جعفر بن محمد بن مطر النيسابوري لأبي العباس الأصم، من أصول الشافعي.

ونحن نذكر لك من نقل من هذه الكتب واعتمد عليها، فمن ذلك فخر الإسلام علي بن محمد البزدوي، قد ذكر في أول أصوله جملة من الفقه الأكبر، وكتاب العالم والرسالة، وذكر بعض مسائل الكتب المذكورة في كل من "شروح الكافي" لحسام الدين السغناقي، و"الشامل" للقوام الإتقاني، و"الشافي" لجلال الدين الكولاني، و"بيان الأصول" للقوام السكاكي، و"البرهان" للنجاري، و"الكشف"، لعلاء الدين النجاري، و"التقرير" لأكمل الدين البابرتي، وذكرت الرسالة بتمامها في أواخر خزانة الأكمل للهمداني، وذكرها الإمام الناطفي في "الأجناس"، وذكر كثيرا من مسائل كتاب "العالم في المناقب" للإمام نجم الدين النسفي، وللخوارزمي، و"الكشف" لأبي محمد الحارثي الحافظ، وبعضها في نكاح أهل الكتاب في المحيط البرهاني .

التالي السابق


الخدمات العلمية