الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذا اجتمع قلتان من ماء نجس طهر ولا يعود نجسا بالتفريق .

التالي السابق


قال المصنف (وإذا اجتمع قلتان من ماء نجس طهر ولا يعود نجسا بالتفريق) وذكره في الوجيز بلفظ قلتان نجستان جمعتا عادتا طاهرتين، فإذا افترقتا بقيتا على الطهارة قال الرافعي: الماء القليل النجس إذا كوثر حتى بلغ قلتين هل يعود طهورا نظر إن كوثر بغير الماء لا، وإن بالماء نظر إن كان مستعملا ففي عود الطهور به وجهان أحدهما أنه لا يعود لانسلاب قوة المستعمل والتحاقه بسائر المائعات، والثاني أنه يعود، وهو الأظهر; لأن الأصل فيه الطهورية ولو كوثر الماء النجس بماء نجس ولا تغير عادت الطهورية، ثم التفريق بعد عود الطهورية لا يضر ولا فرق بين أن يكون التكميل بماء طاهر أو بماء نجس في عود الطهورية، وإذا كوثر بما يغلب عليه ويغمره ولكنه لم يبلغ قلتين فالأصح أنه باق على نجاسته، والثاني طاهر غير طهور بشرط أن يكون الكاثر به مطهرا وأن يكون أكثر من المورود عليه وأن يورده على النجس وأن لا تكون فيه نجاسة جامدة، وقد نقله النووي في الروضة وزاد، فإن اختل أحد الشروط فنجس بلا خلاف ولا يشترط شيء من هذه الشروط الأربعة فيما إذا كوثر فبلغ قلتين، ثم قال: هذا الذي صحح هو الأصح عند الخراسانيين، وهو الأصح، والأصح عند العراقيين الثاني، ثم قال الرافعي: والمعتبر في المكاثرة الضم والجمع دون الخلط حتى لو كان أحد البعضين صافيا والآخر كدرا وانضما زالت النجاسة من غير توقف على الاختلاط المانع من التمييز، زاد النووي في الكتاب المذكور فقال ومتى حكمنا بالطهارة في هذه الصور ففرق لم يضر، وهو باق على طهوريته .



(تنبيهات)

من شرح الوجيز للرافعي مع اختصار في بعض سياقه وزيادات عليه من خارج، الأول إذا وقعت نجاسة جامدة في الماء الكثير الراكد فهل يجوز الاغتراف من أي موضع شاء أم يجب التباعد عنها بقدر قلتين، فيه قولان القديم الأول، وهو ظاهر المذهب على خلاف الغالب; لأنه طاهر كله، والجديد الثاني فعلى هذا لا يكفي في البحر التباعد بشبر نظرا إلى العمق بل يتباعد قدرا لو حسب مثله في العمق والجوانب لبلغ قلتين ولو كان الماء منبسطا بلا عمق يتباعد طولا وعرضا قدرا يبلغ قلتين في ذلك العمق .

وقال الإمام محمد بن يحيى يعني به النيسابوري تلميذ الغزالي: لا يغني التباعد بقدر القلتين في هذه الصورة بل يبعد حيث يعلم أن النجاسة لا تنتشر إليه، كما يعتبره أبو حنيفة رحمه الله في بعض الروايات في الماء الكثير، ولو كان الماء قلتين بلا زيادة فعلى الجديد لا يجوز الاغتراف منه وعلى القديم يجوز ذلك في أصح الوجهين، والثاني لا; لأن المأخوذ بعد الباقي والباقي تنجس بلا انفصال فكذلك المأخوذ [ ص: 329 ] ثم في المسألة الأولى يحتمل أن يكون الخلاف في جواز الاستعمال من غير تباعد مع القطع بطهارة الجميع ويحتمل أن يكون في الاستعمال مبنيا على خلاف في نجاسته، وقد نقل عن الشيخ أبي محمد، نقل الاتفاق على الاحتمال الأول، قال الإمام النووي في الروضة: هذا الوقف من الإمام الرافعي عجيب فقد جزم به وصرح بالاحتمال الأول جماعة من كبار أصحابنا منهم الشيخ أبو حامد الإسفرايني والقاضي أبو الطيب وصاحب الحاوي والمحاملي وصاحب الشامل والبيان وآخرون من العراقيين والخراسانيين، وقطع جماعة من الخراسانيين بأن على قولي التباعد يكون المجتنب نجسا كذا قاله القاضي حسين وإمام الحرمين والبغوي وغيرهم حتى قال هؤلاء الثلاثة: لو كان قلتين فقط كان نجسا على هذا القول والصواب الأول والله أعلم، الثاني إذا غمس كوز ماء نجس في ماء طاهر هل يعود طهورا إن كان الكوز ضيق الرأس فوجهان أحدهما نعم لحصول الكثرة والاتصال وأصحهما لا; لأنه لا يحصل به اتصال يفيد تأثير أحدهما في الآخر بل ما في الكوز كالمودع فيه وليس معدودا جزءا منه، وإذا حكمنا بأنه طهور على الصورتين فهل يحصل ذلك على الفور أم لا بد من زمان يزول فيه التغير لو كان متغيرا فيه وجهان الأصح الثاني ولا شك أن الزمان في الضيق أكثر منه في الواسع، فإن كان ماء الكوز متغيرا فلا بد من زوال تغيره ولو كان الكوز غير ممتلئ فما دام يدخل فيه الماء فلا اتصال، وهو على نجاسته، قال الإمام النووي: إلا أن يدخل أكثر من الذي فيه فيكون حكمه ما تقدم في المكاثرة قال القاضي حسين وصاحب التتمة: ولو كان ماء الكوز طاهرا فغمسه في نجس ينقص عن القلتين بقدر ماء الكوز فهل يحكم بطهارة النجس، فيه الوجهان والله أعلم، الثالث ماء البئر كغيره في قبول النجاسة وزوالها، ولكن ضرورة النزح إلى الاستقاء منها قد يخصه بضرب من العسر، فإن كان قليلا، وقد تنجس بوقوع نجاسة فيه فليس من الرأي أن تنزح ليبقى بعده الماء الطهور; لأنه، وإن نزح فيبقى قعر البئر نجسا، وكذا جدران البئر بل ينبغي أن يترك ليزداد فيبلغ حد الكثرة، وإن كانت قليلة الماء ولا يتوقع منه الكثرة صب فيها ماء من خارج حتى يكثر ويزول التغير إن كان متغيرا، وإن كان الماء كثيرا طاهرا وصب فيه شيء نجس فقد يبقى على طهوريته لكثرته وعدم التغير، لكن يتعذر استعماله; لأنه لا ينزح دلو إلا وفيه شيء من النجاسة فينبغي أن يستقي الماء كله، فإن كانت العين فوارة نزح بقدر ما يغلب على الظن خروج النجاسة به فما يبقى بعد وما يحدث منه فهو طهور; لأنه غير مستيقن النجاسة ولا مظنونها ولا أثر للشك والتردد فيما حدث لحصول الظن بالإخراج نعم إن تحقق بعد ذلك شيئا على خلاف الغالب اتبعه والله أعلم .




الخدمات العلمية