الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الإرادة .

وأنه تعالى مريد للكائنات مدبر للحادثات فلا يجري في الملك والملكوت قليل أو كثير ، صغير أو كبير خير أو شر ، نفع أو ضر ، إيمان أو كفر ، عرفان أو نكر فوز أو خسران ، زيادة أو نقصان ، طاعة أو عصيان ، إلا بقضائه وقدره وحكمته ومشيئته .

فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن .

التالي السابق


(الإرادة) وهي الصفة الثالثة من صفات المعاني، ويذكرها المتأخرون مع القدرة؛ لتعلقهما بجميع الممكنات دون الواجبات والمستحيلات، إلا أن جهة تعلقهما بالمكان مختلفة، فالقدرة كما مر صفة أزلية تؤثر في الممكن عند تعلقها به إيجادا أو عدما، والإرادة صفة أزلية تؤثر في اختصاص أحد طرفي الممكن من وجود أو عدم أو طول أو قصر ونحوها [ ص: 28 ] بالوقوع بدلا من مقابله، فصار تأثير القدرة فرع تأثير الإرادة؛ إذ لا يوجد -عز وجل- من الممكنات أو يعدم بقدرته إلا ما أراد تعالى وجوده أو إعدامه .

وقال شيخ مشايخنا: اعلم أن في نسبة التأثير للقدرة مسامحة؛ إذ التأثير في الحقيقة إنما هو للذات الموصوفة بالصفات؛ فإسناد التأثير للقدرة مجاز، قال: وكان شيخنا الطوخي يمنع إسناد التأثير للقدرة ولو مجازا؛ لما فيه من الإيهام .

(وأنه) تعالى (مريد للكائنات) على الحقيقة، والإرادة شرط في كون كل فاعل فاعلا، وكما لا يكون الفاعل إلا قادرا، كذلك لا يكون إلا مريدا مختارا لفعله، خلافا لمن زعم أن وصفه بالإرادة مجاز، وهو قول النظام والكعبي (مدبر للحادثات) بجليل حكمته (فلا يجري في الملك والملكوت) أي: العالم السفلي والعلوي (قليل أو كثير، صغير أو كبير) دقيق أو جليل (خير أو شر، نفع أو ضر، إيمان أو كفر، عرفان أو نكر) صحة أو سقم (فوز أو خسران، زيادة أو نقصان، طاعة أو عصيان، إلا بقضائه وقدره) معنى قضائه تعالى: علمه أزلا بالأشياء على ما هي عليه، ومعنى قدره إيجاده إياها على ما يطابق العلم (وحكمه ومشيئته) وهي والإرادة مترادفتان، أراد تعالى حدوث كل ما علم على الوجه الذي علم حدوثه عليه، ولا يكون في سلطانه إلا ما يريد كونه، ولا ينتفي من ملكه إلا ما أراد انتفاءه.

(فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن) ولا يكون، وهذه هي الإرادة الكونية، ولا يتخلف متعلقها متى تعلقت بشيء وجب وجوده، وفي إطلاق القول بإرادته المعاصي والكفر على التفصيل اختلاف، وظاهر سياق المصنف يدل على جوازه، ومنهم من يقول ذلك في الجملة، ويمنع التفصيل، ويكتفي بقوله: ما شاء الله كان.. إلخ، وهذا كقول المسلمين في الجملة: يا خالق الأجسام، ورازق الأنعام، ولم يقولوا في التفصيل: يا خالق الكلاب والخنازير، وإن كان في الحقيقة هو خالقها، كذلك يقول في الجملة: إنه مريد لكل ما علم حدوثه، ولا يقول في التفصيل: إنه مريد الكفر وسائر المعاصي، وإن كان حدوثها بمشيئته وإرادته، وهذا تفصيل قدماء الأشاعرة، ومنهم من قال بجواز إطلاقه مع قرينة لولاها لم يجز إطلاقها؛ لما في إطلاقها من إيهام الخطأ، وهو قول الأشعري، يقول: كل معصية أراد تعالى حدوثها من العاصي بها كسبا له قبحا منه مذموما، وهذا كقولهم: إن المؤمن لا يقال له كافر على الإطلاق، ولكن يقال: يفيد أنه كافر بالجبت والطاغوت .




الخدمات العلمية