الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وعرفت أن الشافعي وكافة السلف إنما منعوا عن الخوض فيه والتجرد له ؛ لما فيه من الضرر الذي نبهنا عليه .

وأن ما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما من مناظرة الخوارج وما نقل عن علي رضي الله عنه من المناظرة في القدر وغيره كان من الكلام الجلي الظاهر وفي محل الحاجة وذلك محمود في كل حال .

نعم ، قد تختلف الأعصار في كثرة الحاجة وقلتها ؛ فلا يبعد أن يختلف الحكم لذلك فهذا حكم العقيدة التي تعبد الخلق بها وحكم طريق النضال عنها وحفظها فأما إزالة الشبهة وكشف الحقائق ومعرفة الأشياء على ما هي عليه وإدراك الأسرار التي يترجمها ظاهر ألفاظ هذه العقيدة فلا مفتاح له إلا المجاهدة وقمع الشهوات والإقبال بالكلية على الله تعالى وملازمة الفكر الصافي عن شوائب المجادلات وهي رحمة من الله عز وجل تفيض على من يتعرض لنفحاتها بقدر الرزق وبحسب التعرض وبحسب قبول المحل وطهارة القلب وذلك البحر الذي لا يدرك غوره ولا يبلغ ساحله .

التالي السابق


(وعرفت أن) الإمام (الشافعي وكافة السلف) -رحمهم الله- ممن تقدم ذكرهم (إنما منعوا من الخوض فيه والتجرد له؛ لما فيه من الضرر الذي نبهنا عليه) أي: فإن أقوالهم محمولة على نهي المتعصب في الدين أو القاصر عن تحصيل اليقين أو القاصد إفساد عقائد المسلمين، أو الخائض فيما لا يفتقر إليه من غوامض المتفلسفين، وإلا فلا يتصور من شريف تلك الحضرات وقوع المنع فيما هو أصل الواجبات وأساس المشروعات (وأن ما نقل عن ابن عباس -رضي الله عنه- من مناظرة الخوارج) في المسائل الأربعة (وما نقل عن علي -رضي الله عنه- من المناظرة في القدر) مع رجل من الشام (وغيره كان من الكلام الجلي) الواضح (الظاهر) الذي لا يحتاج إلى فتح باب الجدال (وفي محل الحاجة) وقدر الحاجة (وذلك) لا ريب فيه أنه (محمود في كل حال) غير مذموم عند الرجال (نعم، قد تختلف [ ص: 65 ] الأعصار) والأزمان (في كثرة الحاجة) إليه (وقلتها؛ فلا يبعد أن يختلف الحكم لذلك) ؛ ولأجل ذلك ما خاض فيه الأولون إلا قليلا؛ لعدم حدوث البدع في زمانهم، فلم يحتاجوا إلى إبطالها وإفحام منتحلها .

(فهذا حكم العقيدة التي تعبد الخلق بها) وكلفوا بمعرفتها (وحكم طريقة النضال) والمدافعة (عنها وحفظها) في الصدور (فأما إزالة الشبهة) الخفية عن القلب (وكشف أسرار الحقائق) الإلهية (ومعرفة الأشياء على ما هي عليه) باليقين التام (وإدراك الأسرار) الباطنة (التي يترجمها) ويبينها (ظاهر ألفاظ هذه العقيدة) ومنطوقها (فلا مفتاح له إلا المجاهدة) المشار إليها في قوله -عز وجل-: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ، (و) في معنى المجاهدة (قمع الشهوات) النفسانية (والإقبال بالكلية على الله تعالى) بحيث لا يخطر في خاطره خاطر لسواه (وملازمة الفكر الصافي عن شوائب المجادلات) والمخاصمات (وهي) أي: تلك الحالة الحاصلة من هذه الأمور (رحمة من الله عز وجل) ونعمة (تفيض على من يتعرض لنفحاتها) لما ورد: "تعرضوا لنفحات الله؛ فإن لله نفحات" (بقدر الرزق) الذي قدر له من الأزل (وبحسب قبول المحل) وانفساحه (وطهارة القلب) واتساعه لقبول تلك النفحات الواردات (وذلك البحر) العجاج (الذي لا يدرك غوره) ومنتهاه (ولا يبلغ ساحله) أي: طرفه .




الخدمات العلمية