الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور كتبه المنزلة على رسله عليهم السلام وأن القرآن مقروء بالألسنة مكتوب في المصاحف محفوظ في القلوب وأنه ، مع ذلك قديم ، قائم بذات الله تعالى .

التالي السابق


(وإن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور كتبه المنزلة على رسله) أي: الحروف إنما هي عبارة عنه، والعبارة غير المعبر عنه، فلذلك اختلفت باختلاف الألسنة، وإذا عبرت عن تلك الصفة القائمة بذاته تعالى بالعربية فقرآن، وبالعبرانية فتوراة، وبالسريانية فإنجيل وزبور، والاختلاف في العبارات دون المسمى، فحروف القرآن حادثة، والمعبر عنه بها هو المعنى القائم بذات الله تعالى قديم، فالتلاوة والقراءة والكتابة حادثة، والمتلو والمقروء والمكتوب قديم، أي: ما دلت عليه الكتابة والقراءة والتلاوة، كما إذا ذكر الله بألسنة متعددة ولغات مختلفة؛ فإن الذكر حادث، والمذكور وهو رب العباد قديم .

(وإن القرآن) كلام الله تعالى غير مخلوق، وإنه مسموع بالآذان (مقروء بالألسنة) قال الخراشي في شرحه على "أم البراهين": الفرق بين التلاوة والقراءة أن التلاوة أخص من القراءة; لأن التلاوة لا تكون في كلمة واحدة، والقراءة تكون فيها، تقول: فلان قرأ اسمه، ولا تقول: تلا اسمه، فالقراءة اسم لجنس هذا الفعل (مكتوب في المصاحف محفوظ في القلوب والصدور، وإنه مع ذلك [ ص: 31 ] قديم، لا يوصف بالحدوث والخلق قائم بذات الله تعالى) لاتفاقهم على ذلك، وهذا كله حق واجب الإيمان به; لأن القرآن يقال عليه: الكلام، فيقال على المعنى القائم بذاته عز شأنه المعبر عنه باللسان العربي المبين، ومعنى الإضافة في قولنا: كلام الله تعالى، إضافة الصفة إلى الموصوف، كعلم الله، والقرآن بهذا المعنى قديم قطعا، ويقال على الكلام العربي المبين الدال على هذا المعنى القديم، ومعنى الإضافة على هذا التقدير هي معنى إضافة الفعل إلى الفاعل، كخلق الله ورزقه، وكلا الإطلاقين حقيقة على المختار، خلافا لمن زعم أنه حقيقة في أحدهما، مجاز في الآخر، ومعنى أن القرآن مسموع بما يدل عليه، وهو العبارة، متلو بالألسنة كذلك، محفوظ بالرقوم والخطوط الحسية، والحاصل أنه مسموع بما يدل من الحروف المرسومة في قوة السمع، مكتوب بما يدل عليه رقما، متلو بما يدل عليه نطقا محفوظا، وبما يدل عليه تخيلا، وهكذا كما يقال: الله مذكور بالألسنة، معناه مذكور بما يدل عليه من حيث النطق اللساني، وسيأتي لذلك بحث في الرسالة القدسية .




الخدمات العلمية