الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والسادس : أنه إذا وقع رطل من البول في قلتين ثم فرقتا فكل كوز يغترف منه طاهر ومعلوم أن البول منتشر فيه وهو قليل وليت شعري هل تعليل طهارته بعدم التغير أولى أو بقوة الماء بعد انقطاع الكثرة وزوالها مع تحقق بقاء أجزاء النجاسة فيها .

والسابع أن الحمامات لم تزل في الأعصار الخالية يتوضأ فيها المتقشفون ويغمسون الأيدي والأواني في تلك الحياض مع قلة الماء ومع العلم بأن الأيدي النجسة والطاهرة كانت تتوارد عليها .

فهذه الأمور مع الحاجة الشديدة تقوي في النفس أنهم كانوا ينظرون إلى عدم التغير معولين على قوله صلى الله عليه وسلم : خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه .

التالي السابق


الدليل (السادس: أنه إذا وقع رطل من البول في قلتين) ماء محض (ثم فرقتا) في محلين (فكل كوز يغترف منه طاهر) بناء على الأصل (ومعلوم أن البول منتشر فيه) أي الماء (وهو) أي البول (قليل) بالنسبة إلى الماء المغترف (فليت شعري هل [ ص: 332 ] تعليل طهارته بعد التغير) في أحد أوصافه (أولى أو بقوة كثرة الماء بعد لانقطاع الكثرة وزوالها مع تحقق بقاء أجزاء النجاسة فيها) ، وفي بعض النسخ بعد انقطاع الكثرة وزوالها. الدليل (السابع أن الحمامات) والمغاسل (لم يزل في الأعصار الخالية) أي الماضية (يتوضأ فيها المتقشفون) أي خشنو العيش من أرباب الصلاح (ويغمسون الأيدي والأواني في تلك الحياض) التي بالحمامات (مع قلة الماء) فيها (ومع العلم بأن الأيدي النجسة والطاهرة كانت تتوارد عليها) أرسالا أرسالا (فهذه الأمور) التي ذكرت (مع الحاجة الشديدة) التي يضطر الإنسان إليها (تقوي في النفس) وتؤيد (أنهم كانوا ينظرون إلى عدم التغير) فقط (معولين) أي معتمدين (على قوله صلى الله عليه وسلم: خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه) كذا في النسخ، وفي بعضها خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه. قال العراقي: أخرجه ابن ماجه من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف، وقد رواه بدون الاستثناء أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي سعيد وصححه أحمد وغيره .

قلت: قال الحافظ: وفي إسناد ابن ماجه: أبو سفيان طريف بن شهاب، وهو ضعيف متروك، وقد اختلف على شريك الراوي عنه، وقد روي هذا الحديث من رواية ابن عباس بلفظ: الماء لا ينجسه شيء. رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان، ورواه أصحاب السنن بلفظ: الماء لا يجنب. وفيه قصة، وقال الحازمي: لا نعرفه مجودا إلا من حديث سماك بن حرب عن عكرمة، وسماك مختلف فيه، وقد احتج به مسلم، ومن رواية سهل بن سعد رواه الدارقطني، وعن عائشة بلفظ: إن الماء لا ينجسه شيء. رواه الطبراني في الأوسط وأبو يعلى والبزار وأبو علي بن السكن في صحاحه من طريق شريك، ورواه أحمد من طرق أخرى صحيحة، لكنه موقوف، ورواه الدارقطني من طريق داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال: أنزل الله الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو طعمه. فيه رشدين بن سعد، وهو متروك، وعن أبي أمامة مثله، رواه ابن ماجه والطبراني وفيه رشدين أيضا وتقدم شيء من ذلك عند ذكر اللون رادا على من قال: إن الشافعي قاس اللون على الطعم والريح ولم يجد فيه نصا من الشارع .



(تنبيه)

هذا الحديث هو الذي تمسك به مالك في أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعما أو ريحا أو لونا فهو نجس ولم يحد في الماء، وحمل الشافعي، وكذا أصحابنا هذا الخبر على الكثير; لأنه ورد في بئر بضاعة، وكان ماؤها كثيرا، قال الحافظ: وهذا مصير منه إلى أن هذا الحديث ورد في بئر بضاعة وليس كذلك نعم صدر الحديث دون قوله: خلق الله، هو في حديث بئر بضاعة، وأما الاستثناء الذي هو موضع الحجة منه فلا، والرافعي كأنه تبع الغزالي في هذه المقالة، فإنه قال في المستصفى: لأنه صلي الله عليه وسلم لما سئل عن بئر بضاعة فقال: خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما يغير لونه أو طعمه أو ريحه، وكلامه متعقب لما ذكرناه، وقد تبعه ابن الحاجب في المختصر في الكلام على العام، وهو خطأ، والله الموفق .

وقال صاحب الهداية من أصحابنا: وما رواه مالك ورد في بئر بضاعة، وماؤها كان جاريا بين البساتين، قال الحافظ في تخريجه على الهداية: كأنه يشير إلى حديث: الماء لا ينجسه شيء، وأما وروده في بئر بضاعة، فأخرجه أصحاب السنن الثلاثة عن أبي سعيد قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة، وهو يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال: إن الماء طهور لا ينجسه شيء، وأخرجه قاسم بن أصبغ من حديث سهل بن سعد نحوه، وأما قوله: كان جاريا في البساتين، فهو كلام مردود على من قاله، وقد سبق إلى دعوى ذلك والجزم به الطحاوي فأخرج عن جعفر بن أبي عمران عن محمد بن شجاع الثلجي عن الواقدي قال: كانت بئر بضاعة طريقا للماء إلى البساتين، وهذا إسناد واه جدا ولو صح لم يثبت به المراد لاحتمال أن يكون المراد أن الماء كان ينقل منها بالسانية إلى البساتين ولو كانت سيحا جاريا لم تسم بئرا، وقد قال أبو داود: سمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها قال: أكثر ما يكون الماء فيها إلى العانة قلت: فإذا نقص قال: دون العورة، قال أبو داود: وقدرت أنا بئر بضاعة [ ص: 333 ] بردائي مددته عليها، ثم ذرعته، فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه هل غير بناؤها عما كانت عليه قال: لا، ورأيت فيها ماء متغير اللون، وقال الحافظ أيضا في تخريج الرافعي: قد وقع لابن الرفعة أشد من هذا الوهم، فإنه عزا هذا الاستثناء إلى رواية أبي داود ووهم في ذلك فليس هذا في سنن أبي داود أصلا، والله أعلم .




الخدمات العلمية