الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الأصل الثالث :

العلم بكونه عز وجل حيا فإن من ثبت علمه وقدرته ثبت بالضرورة حياته ولو تصور قادر وعالم فاعل مدبر دون أن يكون حيا لجاز أن يشك في حياة الحيوانات عند ترددها في الحركات والسكنات ، بل في حياة أرباب الحرف والصناعات وذلك انغماس في غمرة الجهالات والضلالات .

.

التالي السابق


(الأصل الثالث: العلم بكونه -عز وجل- حيا) مطلقا، وهو الذي تندرج جميع المدركات تحت إدراكه، وجميع الموجودات تحت فعله، حتى لا يشذ عن علمه مدرك، ولا عن فعله مفعول، وذلك هو الله تعالى، فهو الحي الكامل المطلق، وكل حي سواه فحياته بقدر إدراكه وفعله، وكل ذلك محصور في قلة .

ثم أشار المصنف إلى برهانه فقال (فإن من ثبت علمه وقدرته ثبت بالضرورة حياته) أي أن الدليل عليه ما دلنا على كون الباري تعالى عالما قادرا، ومن شرط العالم القادر [ ص: 139 ] أن يكون حيا، وأيضا دلنا على أن العالم فعله، ويستحيل صدور الفعل عن الميت والجماد؛ إذ (لو تصور قادر عالم فاعل مدبر) للكائنات (دون أن يكون حيا لجاز أن يشك في حياة الحيوانات عند ترددها في الحركات والسكنات، بل في حياة أرباب الحرف والصناعات) إذ لا يتصور قيام هذه الأوصاف المذكورة من القدرة والعلم والعقل والتدبير بغير حي، (وذلك) أي: تصور قيامها بغير حي جحود وعناد، بل (انغماس في غمرة الجهالات) أعاذنا الله منها .



(تنبيه)

ظاهر سياق المصنف يشعر أن تأخير صفة الحي بعد ذكر القادر والعالم لتوقفهما فقط على هذه، وأن الحياة شرط في كل منهما، ولزم أن يكون المشروط مفتقرا إلى الشرط، ويتأخر عنه في العقل، وهل الحياة شرط في كل منها ابتداء، أو بعضها شرط في بعض؟ فتكون الحياة شرطا في بعض ابتداء، وفي بعض بالواسطة؟ يحتاج إلى تأمل فيه .

قال الشيخ السنوسي في "شرح صغرى الصغرى" بعد قوله في المتن: ويجب له تعالى الحياة؛ لاستحالة وجود الصفات السابقة بدونها، ما نصه: مراده بالصفات السابقة القدرة، وما ذكر بعدها إلى الكلام فإن كل واحدة من هذه الصفات يستحيل وجودها بغير الحي، ولهذا أخر ذكر الحياة إلى هذا الموضع، وهو من باب تأخير المدلول عن الدليل، وإلا فهي من جهة أنها شرط في تلك الصفات مقدمة بالذات عليها؛ لتوقف وجود المشروط على وجود شرطه إلا أن التوقف هنا توقف معية، لا توقف تقدم؛ إذ صفات الباري تعالى كلها أزلية يستحيل تقدم بعضها بالوجود. اهـ .

وقوله: وما ذكر بعدها.. إلى "الكلام"، وهو القدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والكلام، مترتبة على الحياة، قال الغنيمي: وظاهره أن ذلك الترتيب من غير واسطة بعض لبعض، كأن يقال مثلا: إن الإرادة مترتبة على العلم، والعلم مترتب على الحياة، ونحو ذلك، وربما يرد على القول السابق فيلزم أن يكون المشروط مفتقرا إلى الشرط، إن الافتقار مناف للوجوب؛ إذ الواجب مستغن على الإطلاق، وذلك ينافي الافتقار، والجواب أن المراد بالافتقار الملازمة وعدم انفكاك أحد الموجودين عن الآخر، ولم يكن الافتقار بهذا المعنى ينافي الوجوب، وإليه الإشارة في قول السنوسي: إلا أن التوقف هنا توقف معية، فتأمل .

وكون أن الحياة شرط في تلك الصفات المذكورة قد ذكره شيخ الإسلام في حاشيته على شرح جمع الجوامع حيث قال: وظاهر أنها - أي: الحياة- شرط لغير العلم أيضا من الصفات المذكورة، فإذا عرفت ذلك ظهر لك أن المصنف لو أخر هذه الصفة عقيب الصفات المذكورة لكان أوجه، وأما ترتب تعلق القدرة على تعلق الإرادة على تعلق العلم فسيأتي ذلك في سياق عبارة ابن الهمام وتلميذه إن شاء الله تعالى .




الخدمات العلمية