الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( لا ) يقطع ( لو سرق ضيف ممن أضافه ) ولو من بعض بيوت الدار أو من صندوق مقفل لاختلال الحرز ( أو سرق شيئا ولم يخرجه من الدار ) لشبهة عدم الأخذ ، بخلاف الغصب ( وإن أخرجه من حجرة الدار ) المتسعة جدا إلى صحنها [ ص: 100 ] ( أو أغار من أهل الحجر على حجرة ) أخرى لأن كل حجرة حرز ( أو نقب فدخل أو ألقى ) كذا رأيته في نسخ المتن والشرح بأو وصوابه بالواو كما في الكنز ( شيئا في الطريق ) يبلغ نصابا ( ثم أخذه ) قطع لأن الرمي حيلة يعتاده السراق فاعتبر الكل فعلا واحدا ، ولو لم يأخذه أو أخذه غيره فهو مضيع لا سارق ( أو حمله على دابة فساقه وأخرجه ) أو علق رسنه في عنق كلب وزجره لأن سيره يضاف إليه ( أو ألقاه في الماء فأخرجه بتحريك السارق ) لما مر ( أو لا بتحريكه بل ) أخرجه ( قوة جريه على الأصح ) لأنه أخرجه بسببه زيلعي ( قطع ) في الكل لما ذكرنا . ويشكل على الأخير ما قالوا : لو علقه على طائر فطار إلى منزل السارق لم يقطع ، فلذا والله أعلم جزم الحدادي وغيره بعدم القطع ( وإن ) نقب ثم ( ناوله آخر من خارج ) الدار ( أو أدخل يده في بيت وأخذ ) [ ص: 101 ] ويسمى اللص الظريف . ولو وضعه في النقب ثم خرج وأخذه لم يقطع في الصحيح شمني ( أو طر ) أي شق ( صرة خارجة من ) نفس ( الكم ) فلو داخله قطع ، وفي الحل بعكسه

التالي السابق


( قوله ولو من بعض بيوت الدار ) أي لا فرق بين أن يسرق من البيت الذي أضافه فيه أو من بيت آخر فيها ( قوله لاختلال الحرز ) ; لأن الدار مع جميع بيوتها حرز واحد فبالإذن فيها اختل الحرز في جميع بيوتها بحر ( قوله لشبهة عدم الأخذ ) ; لأن الدار وما فيها في يد صاحبها فتح . وفيه أيضا أن المحرز بالمكان لا يجب القطع فيه إلا بالإخراج لقيام يد المالك قبل الإخراج من داره فلا يتحقق الأخذ إلا بإزالة يده وذلك بالإخراج من حرزه ، بخلاف المحرز بالحافظ فإنه يقطع كما أخذه لزوال يد المالك بمجرد الأخذ فتتم السرقة فيجب موجبها ا هـ ( قوله بخلاف الغصب ) يعني أن هذا في حق القطع لسقوط الحد بالشبهة ، بخلاف ضمان الغصب ، يعني لو هلك ما سرقه ولم يخرجه . قال في الفتح : قال بعضهم : لا ضمان عليه إذا تلف المسروق في يده قبل الإخراج من الدار ولا قطع عليه . والصحيح أنه يضمن لوجود التلف على وجه التعدي ، بخلاف القطع ; لأن شرطه هتك الحرز ولم يوجد . ا هـ .

( قوله المتسعة جدا ) أي التي فيها منازل ، وفي كل منزل مكان يستغني به أهله عن الانتفاع بصحن الدار [ ص: 100 ] وإنما ينتفعون به انتفاع السكة وإلا فهي المسألة السابقة التي لا بد فيها من الإخراج من الدار بحر . ونحوه في الزيلعي وفي الكافي : يقطع إذا كانت دار واحدة عظيمة فيها مقاصير كل مقصورة مسكن على حيالها . ا هـ . والمقصورة : الحجرة بلسان أهل الكوفة معراج ( قوله أو أغار ) المراد دخل مقصورة على غرة فأخذ بسرعة ، يقال : أغار الفرس والثعلب في العدو أسرع بحر ( قوله من أهل الحجر ) حال من فاعل أغار ( قوله ; لأن كل حجرة حرز ) علة للمسألتين ، إذ لكل مقصورة باب وغلق على حدة ومال كل واحد محرز بمقصورته ، فكانت المنازل بمنزلة دور في محله ، وإن كانت الدار صغيرة بحيث لا يستغني أهل المنازل عن الانتفاع بصحن الدار بل ينتفعون به انتفاع المنازل فهي بمنزلة مكان واحد ، فلا يقطع الساكن فيها ولا المأذون له بالدخول فيها إذا سرق من بعض مقاصيرها زيلعي ( قوله في الطريق ) أي بحيث يراه ; لأنه باق في يده فصار كأنه أخرجه معه وإلا فلا قطع عليه وإن خرج وأخذه ; لأنه صار مستهلكا له قبل خروجه بدليل وجوب الضمان عليه ، كما لو ذبح الشاة في الحرز جوهرة ( قوله ثم أخذه ) أشار إلى أنه لا يشترط للقطع الأخذ على فور الإلقاء ا هـ ط .

( قوله يعتاده السراق ) إما لتعذر الخروج مع المتاع أو ليمكنه الدفع أو الفرار زيلعي ( قوله فاعتبر الكل فعلا واحدا ) أي كل من النقب والدخول والإلقاء والأخذ حيث لم يعترض عليه يد معتبرة وهذا جواب عن قول زفر إنه لا يقطع ; لأن الإلقاء غير موجب له ( قوله ولو لم يأخذه ) أي بأن خرج وتركه ، وقوله أو أخذه غيره : أي قبل خروجه ( قوله فهو مضيع ) فعليه ضمانه ( قوله ; لأن سيره يضاف إليه ) أما لو خرج بلا سوق ولا زجر لم يقطع ; لأن للدابة اختيارا فما لم يفسد اختيارها بالحمل والسوق لا ينقطع نسبة الفعل إليها كما في البحر ( قوله لما مر ) أي من أن الإخراج يضاف إليه ط ( قوله قوة جريه ) في بعض النسخ بقوة جريه ( قوله ; لأنه أخرجه ) أي ; لأن الماء أخرجه بسبب إلقائه فيه ( قوله ويشكل على الأخير ) أي ما لو ألقاه في الماء ، وأخرجه بقوة جريه والاستشكال لصاحب النهر .

قلت : وقد يدفع بأن الطائر فعله يضاف إليه ; لأن للدابة اختيارا كما مر . فإذا لم يزجره بل طار بنفسه فقد عرض على فعل السارق فعل مختار فلم يضف إليه . نظيره ما إذا خرج الحمار بنفسه بلا سوق في المسألة المارة وكذا ما يأتي في الغصب لو حل قيد عبد غيره أو رباط دابته أو فتح باب إصطبلها أو قفص طائره فذهبت لا يضمن فافهم ( قوله بعدم القطع ) هو خلاف ما صححه في المبسوط ، ومشى عليه المصنف تبعا للزيلعي والفتح والنهاية . وفي الفتح إنه قول الأئمة الثلاثة فيرجح على ما جزم به الحدادي صاحب الجوهرة ولا سيما بعد اتضاح الجواب بما قلناه ( قوله وإن نقب ثم ناوله آخر إلخ ) جواب الشرط قوله الآتي لا يقطع . وأفاد أنه لا يقطع المناول ولا المتناول ; لأن الأول لم يوجد منه الإخراج لاعتراض يد معتبرة على المال قبل خروجه والثاني لم يوجد منه هتك الحرز فلم تتم السرقة من كل واحد ، وأطلقه فشمل ما إذا أخرج الداخل يده وناول الخارج أو أدخل الخارج يده فتناول من يد الداخل وهو ظاهر المذهب بحر ( قوله أو أدخل يده في بيت وأخذ ) أي من غير دخول في البيت ، وقيد [ ص: 101 ] بالبيت احترازا عن الصندوق ونحوه كما يأتي ( قوله ويسمى اللص الظريف ) مأثور عن علي رضي الله عنه مع تفسيره بمن يدخل يده في نقب البيت كما في الزيلعي ( قوله لم يقطع في الصحيح ) ذكره أيضا في الفتح والبحر ، ولينظر الفرق بين هذه المسألة ومسألة ما لو ألقاه في الطريق ، ثم أخذه حيث لم يعتبر الكل فعلا واحدا كما اعتبر هناك مع أنه في المسألتين لم يوجد اعتراض يد معتبرة على المال قبل خروج السارق ، ولعل الفرق أنه هناك تحقق إخراج المال خفية قبل خروجه ، أما هنا فلا ثم لما خرج وأخذه من النقب لم يأخذه من حرز فصار كما إذا أدخل يده في بيت وأخذ تأمل ( قوله أو طر صرة خارجة ) الصرة : هي الخرقة التي يشد فيها الدراهم ، يقال صررت الدراهم أصرها صرا : شددتها ، والمراد هنا الكم المشدودة التي فيها الدراهم نهر ، فقوله من نفس الكم بيان لقوله صرة ولذا زاد لفظ نفس لئلا يتوهم أنها من غيره .

وحاصل صور المسألة أربعة ، قال في غرر الأذكار : اعلم أن الصرة إن جعلت نفس الكم ، فإما إن جعل الدراهم داخل الكم والرباط من خارج أو بالعكس . وعلى التقديرين ، فإما إن طر أو حل الرباط ، فإن طر والرباط من خارج فلا قطع ، وإن طر والرباط من داخل بأن أدخل يده في الكم فقطع موضع الدراهم فأخذها من الكم قطع للأخذ من الحرز ، وإن حل الرباط وهو خارج قطع ; لأنه حينئذ لا بد أن يدخل يده في الكم فيأخذ الدراهم ، وإن حل الرباط وهو داخل لا يقطع ; لأنه لما حل الرباط في الكم بقي الدراهم خارج الكم وأخذها من خارج . وعند أبي يوسف والأئمة الثلاثة يقطع في الوجوه كلها ; لأن الكم حرز . ا هـ . وتمام تحقيقه في الفتح




الخدمات العلمية