الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولو اختلفا في اشتراطه فالقول لنا فيه على المذهب ( ثلاثة أيام أو أقل ) وفسد عند إطلاق أو تأبيد . ( لا أكثر ) فيفسد ، فلكل فسخه خلافا لهما [ ص: 569 ] غير أنه يجوز إن أجاز ) من له الخيار ( في الثلاثة ) فيقلب صحيحا على الظاهر .

التالي السابق


( قوله : فالقول لنا فيه ) لأنه خلاف الأصل كما في البحر وهو مكرر مع ما يأتي متنا . ا هـ . ح . ( قوله : على المذهب ) وعند محمد القول لمدعيه والبينة للآخر . ح عن البحر . ( قوله : ثلاثة أيام ) لكن إن اشترى شيئا مما يتسارع إليه الفساد ، ففي القياس لا يجبر المشتري على شيء ، وفي الاستحسان يقال له : إما أن تفسخ البيع أو تأخذ المبيع ، ولا شيء عليك من الثمن حتى تجيز البيع أو يفسد المبيع عندك دفعا للضرر من الجانبين بحر عن الخانية . [ تنبيه ] :

اعلم أن الخيار في العقود كلها لا يجوز أكثر من ثلاثة أيام إلا في الكفالة في قول الإمام . زاد في البزازية وللمحتال ، وكذا في الوقف ; لأن جوازه على قول الثاني وهو غير مقيد عنده بالثلاث در منتقى ، وتمامه في النهر . ( وقوله : وفسد عند إطلاق ) أي عند العقد . أما لو باع بلا خيار ثم لقيه بعد مدة فقال : له أنت بالخيار فله الخيار ما دام في المجلس بمنزلة قوله : لك الإقالة كما في البحر عن الولوالجية وغيرها ، وحمل عليه قول الفتح : لو قال : له أنت بالخيار فله خيار المجلس فقط ، فقال : في النهر : ولم أر من فرق بينهما ، ويظهر لي أن المفسد في الثاني أن الإطلاق وقت العقد مقارن فقوي عمله ، وفي الأول بعد التمام فضعف ، وقد أمكن تصحيحه بإمكان الخيار له في المجلس . ا هـ . [ تنبيه ] قدمنا عن الدرر أنه لو قال : على أني بالخيار أياما فهو فاسد . واعترض في الشرنبلالية بأن قولهم لو حلف لا يكلمه أياما يكون على ثلاثة ، ومقتضاه أن يكون هنا كذلك تصحيحا لكلام العاقل عن الإلغاء ، وإلا فما الفرق . قلت : قد يجاب بأن أياما في الحلف يصح أن يراد منه الثلاثة والعشرة مثلا ، لكن اقتصر على الثلاثة ; لأنها المتيقن وذلك لا ينافي صحة إرادة ما فوقها ، حتى لو نوى الأكثر حنث ، بخلافه هنا فإن الثلاثة لازمة بالنص ألبتة ، ولفظ أياما صالح لما فوقها وما فوقها مفسد للعقد فلا ينفعنا حمله على الثلاثة ; لأنه لا يقطع الاحتمال .

( قوله : فلكل فسخه ) شمل من له الخيار منهما والآخر ، وهذا على القول بفساده ظاهر ، وكذا على القول الآتي بأنه موقوف . قال : في الفتح : وذكر الكرخي نصا عن أبي حنيفة أن البيع موقوف على إجازة المشتري وأثبت للبائع حق الفسخ قبل الإجازة لأن لكل من المتعاقدين حق الفسخ في البيع الموقوف . ا هـ . ( قوله : خلافا لهما ) فعندهما يجوز إذا سمى مدة معلومة فتح . [ ص: 569 ] قوله : غير أنه يجوز إن أجاز في الثلاثة ) وكذا لو أعتق العبد أو مات العبد أو المشتري أو أحدث به ما يوجب لزوم البيع ينقلب البيع جائزا عند أبي حنيفة ، وتمامه في البحر عن الخانية . ( قوله : في الثلاثة ) ولو في ليلة الرابع قهستاني . ( قوله : فينقلب صحيحا إلخ ) لأنه قد زال المفسد قبل تقرره ، وذلك أن المفسد ليس هو شرط الخيار بل وصله بالرابع ، فإذا أسقطه تحقق زوال المعنى المفسد قبل مجيئه فيبقى العقد صحيحا .

ثم اختلفوا في حكم هذا العقد في الابتداء ، فعند مشايخ العراق حكمه الفساد ظاهرا ، إذ الظاهر دوامهما على الشرط فإذا أسقطه تبين خلاف الظاهر فينقلب صحيحا . وقال : مشايخ خراسان والإمام السرخسي وفخر الإسلام وغيرهما من مشايخ ما وراء النهر : هو موقوف ، وبالإسقاط قبل الرابع ينعقد صحيحا ، وإذا مضى جزء من الرابع فسد العقد الآن وهو الأوجه ، كذا في الظهيرية والذخيرة فتح ملخصا ، وتمامه فيه ، ولكن الأول ظاهر الرواية بحر ومنح . وفي الحدادي : فائدة الخلاف تظهر في أن الفاسد يملك إذا اتصل به القبض والموقوف لا يملك إلا أن يجيزه المالك ، ونظر فيه بأن الفاسد أيضا لا يملك إلا بإذن البائع كما في المجمع . والأولى أن يقال : إنها تظهر في حرمة المباشرة وعدمها فتحرم على الأول لا على الثاني نهر .

قلت : وفي التنظير نظر ، فإن الملك في الفاسد يحصل بقبض المبيع بإذن البائع ، فالمتوقف فيه على إذن البائع هو القبض لا نفس الملك . وأما الموقوف كبيع الفضولي فإن الملك يتوقف فيه على إجازة المالك البيع فتبقى ثمرة الخلاف ظاهرة ، لكن ما قدمناه قريبا عن الخانية من أنه لو أعتق العبد ينقلب جائزا يشمل ما قبل القبض مع أن قوله ينقلب جائزا إنما يناسب القول بأنه فاسد لا موقوف ، فيفيد حصول الملك قبل القبض ، ويؤيده ما مر من أن حكمه عند مشايخ العراق الفساد ظاهرا ، فيدل على أنه لا فساد في نفس الأمر ، ولذا قال : في الفتح : إن حقيقة القولين أنه لا فساد قبل الرابع بل هو موقوف ، ولا يتحقق الخلاف إلا بإثبات الفساد على وجه يرتفع شرعا بإسقاط الخيار قبل مجيء الرابع كما هو ظاهر الهداية .




الخدمات العلمية