الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 149 ] ( والخمس ) الباقي يقسم أثلاثا عندنا ( لليتيم والمسكين وابن السبيل ) وجاز صرفه لصنف واحد فتح ، وفي المنية لو صرفه للغانمين لحاجتهم جاز وقد حققته في شرح الملتقى ( وقدم فقراء ذوي القربى ) من بني هاشم ( منهم ) أي من الأصناف الثلاثة ( عليهم ) لجواز الصدقات لغيرهم لا لهم ( ولا حق لأغنيائهم ) عندنا [ ص: 150 ] وما نقله المصنف عن البحر من أن ما في الحاوي يفيد ترجيح الصرف لأغنيائهم نظر فيه في النهر ( وذكره تعالى للتبرك ) باسمه في ابتداء الكلام إذ الكل لله ( وسهمه عليه الصلاة والسلام سقط بموته ) ; لأنه حكم علق بمشتق وهو الرسالة [ ص: 151 ] ( كالصفي ) الذي كان عليه الصلاة والسلام يصطفيه لنفسه

[ ص: 149 ]

التالي السابق


[ ص: 149 ] مطلب في قسمة الخمس ( قوله والخمس الباقي ) أي الباقي بعد أربعة أخماس الغانمين ( قوله عندنا ) وأما عند الشافعي فيقسم أخماسا سهم لذوي القربى ، وسهم للنبي صلى الله عليه وسلم يخلفه فيه الإمام ، ويصرفه إلى مصالح المسلمين والباقي للثلاثة للآية زيلعي ( قوله لليتيم ) أي بشروط فقره ، وفائدة ذكره دفع توهم أن اليتيم لا يستحق من الغنيمة شيئا ; لأن استحقاقها بالجهاد ، واليتيم صغير فلا يستحقها ، ومثله ما في التأويلات للشيخ أبي منصور لما كان فقراء ذوي القربى يستحقون بالفقر ، فلا فائدة في ذكرهم في القرآن أجاب بأن أفهام بعض الناس قد تقضي إلى أن الفقير منهم لا يستحق ; لأنه من قبيل الصدقة ، ولا تحل لهم بحر ( قوله والمسكين ) المراد منه ما يشمل الفقير ( قوله وجاز صرفه إلخ ) علله في البدائع بأن ذكر هؤلاء الأصناف لبيان المصارف ، لا لإيجاب الصرف إلى كل صنف منهم شيئا بل لتعيين المصرف ، حتى لا يجوز الصرف إلى غير هؤلاء ا هـ . شرنبلالية ( قوله وقد حققته في شرح الملتقى ) ونصه والخمس الباقي من المغنم كالمعدن والركاز يكون مصرفها لليتامى المحتاجين والمساكين وابن السبيل فتقسم عندنا أثلاثا هذه الأموال الثلاثة لهؤلاء الأصناف الثلاثة خاصة غير متجاوز عنهم إلى غيرهم ، فتصرف لكلهم أو لبعضهم ، فسبب استحقاقهم احتياج بيتم أو مسكنة أو كونه ابن السبيل فلا يجوز الصرف لغنيهم ، ولا لغيرهم كما في الشرنبلالية والقهستاني . قلت : ونقلت فيما علقته على التنوير عن المنية أنه لو صرف للغانمين لحاجتهم جاز ا هـ ولعله باعتبار الحاجة فلا تنافي حينئذ فتنبه . ا هـ .

أقول : لا معنى للترجي بعد تصريح المنية بقوله لحاجتهم . ا هـ . ح ( قوله من بني هاشم ) بيان لذوي القربى ، وفيه قصور ; لأن المراد بهم هنا بنو هاشم وبنو المطلب ; لأنه عليه الصلاة والسلام وضع سهم ذوي القربى فيهم ، وترك بني نوفل وبني عبد شمس مع أن قرابتهم واحدة ; لأن عبد مناف الجد الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم له أولاد هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس بحر . والمطلب عم الجد الأول وهو عبد المطلب بن هاشم ( قوله أي من الأصناف الثلاثة ) وكذا الضمير في عليهم راجع إليهم ، والضمير الثاني يغني عن الأول ، ولكن زاده مع ما فيه من الركاكة ليفيد أن ذوي القربى إذا كانوا من الأصناف الثلاثة يقدمون على من كان منهم ممن ليس من ذوي القربى ، فيتيم ذوي القربى مقدم على يتيم غيرهم ، وهكذا قال في الدر المنتقى : والأوضح أن يقال خمس الغنيمة والمعدن للمحتاج وذوو القربى منه أولى ( قوله لجواز إلخ ) علة لقوله وقدم أي ; لأن غير ذوي القربى يحل له أخذ الصدقة لدفع حاجته بخلافهم فليس في تقديمهم إضرار بغيرهم ( قوله ولا حق لأغنيائهم عندنا ) وعند الشافعي : يستوي فيه فقيرهم وغنيهم ويقسم بينهم للذكر كالأنثيين ; لأنه لم يفرق في الآية بين الفقير والغني ، ولنا أن الخلفاء الراشدين قسموه كما قلناه بمحضر من الصحابة ، فكان إجماعا والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعطيهم للنصرة ، لا للفقر لقوله صلى الله عليه وسلم " { إنهم لم يزالوا معي هكذا في الجاهلية والإسلام وشبك بين أصابعه } " حين أعطى بني هاشم والمطلب ; لأنهم قاموا معه حين أرادت قريش قتله عليه الصلاة والسلام ، ودخل بنو نوفل وعبد شمس في عهد قريش ، [ ص: 150 ] ولو كان لأجل القرابة لما خصهم ; لأن عبد شمس ونوفلا أخوان لهاشم لأبيه وأمه والمطلب كان أخاه لأبيه فكان أقرب والمراد بالنصرة كونهم معه يؤانسونه بالكلام ، والمصاحبة لا بالمقاتلة ، ولذا كان لنسائهم فيه نصيب ثم سقط ذلك بموته عليه الصلاة والسلام لعدم تلك العلة ، وهي النصرة ، فيستحقونه بالفقر زيلعي ملخصا .

وحاصله أنه كما سقط سهمه صلى الله عليه وسلم بموته عندنا سقط سهم ذوي القربى بموته أيضا لفقد علة استحقاقهم ، حتى قال الطحاوي : لا يستحق فقيرهم أيضا لكن الأول وهو قول الكرخي أظهر ، وقد حقق في الفتح قسمة الخلفاء الراشدين أثلاثا كما قلنا لا أخماسا كما قال الشافعي فراجعه .

[ تنبيه ] في الشرنبلالية عن البدائع تعطى القرابة كفايتهم . ا هـ . وفيها عن الجوهرة أنه يقسم بينهم للذكر كالأنثيين . قلت : واعترضه في الدر المنتقى بأنهم ذكروا هذا عن الشافعي لا عندنا . قلت : على أنه ينافيه ما في البدائع ( قوله وما نقله المصنف ) حيث قال : وفي الحاوي القدسي ، وعن أبي يوسف : الخمس يصرف إلى ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وبه نأخذ . ا هـ .

وهذا يقتضي كما نبه عليه شيخنا يعني صاحب البحر أن الفتوى على الصرف إلى الأقرباء الأغنياء فليحفظ . ا هـ . ( قوله نظر فيه في النهر ) حيث قال : وأقول فيه نظر بل هو ترجيح لإعطائهم ، وغاية الأمر أنه سكت عن اشتراط الفقر فيهم للعلم به ا هـ وأنت إذا تأملت كلام الحاوي رأيته شاهدا لما في البحر ، وهذه عبارته ، وأما الخمس فيقسم ثلاثة أسهم سهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل يدخل فقراء ذوي القربى فيهم ، ويقدمون ولا يدفع لأغنيائهم شيء ، وعن أبي يوسف أن الخمس يصرف إلى ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وبه نأخذ ا هـ إذ لو كان كما قاله في النهر لكانت رواية أبي يوسف عين ما قبلها فتدبر ا هـ ح . قلت : لكن أنت خبير بأن هذه رواية عن أبي يوسف : وهي خلاف المشهور عنه والمتون والشروح أيضا على خلافها فالواجب اتباع المذهب في هذه المسألة الذي اعتنى الشراح وغيرهم بتأييد أدلته والجواب عما ينافيه فهذا أقوى ترجيح ولا يعارضه ترجيح الحاوي ، ثم رأيت العلامة الشيخ إسماعيل النابلسي نبه على نحو ما قلته في شرحه على الدرر والغرر ( قوله وذكره تعالى ) أي قوله تعالى - { فأن لله خمسه } - ( قوله ; لأنه حكم علق بمشتق وهو الرسالة ) عبارة النهر وهو الرسول ، فيكون مبدأ الاشتقاق علة وهو الرسالة ولا رسول بعده ا هـ أي كما لو قيل إذا لقيت عالما فأكرمه وإذا لقيت فاسقا فأهنه ، فإنه علق فيه الأمر بالإكرام والإهانة على مشتق ، وهو عالم وفاسق فيدل على أن ما اشتق منه ذلك الوصف : أعنى العلم والفسق علة الحكم أي أكرمه لعلمه وأهنه لفسقه ، وبه يظهر ما في عبارة الشارح ، ثم إن هذا أغلبي لما علمت من أن قوله تعالى { ولذي القربى } - ليس علته القرابة عندنا بل النصرة إلا أن يقال مرادهم نفي كون العلة مجرد القرابة بل العلة قرابة خاصة مقيدة بالنصرة على الوجه المار فتدبر .

مطلب في أن رسالته صلى الله عليه وسلم باقية بعد موته [ تنبيه ] قدمنا عن الشافعي رحمه الله تعالى أن سهمه صلى الله عليه وسلم يخلفه فيه الإمام بعده أي بناء على أنه صلى الله عليه وسلم كان يستحقه لإمامته ، وعندنا لرسالته ، ولا رسول بعده أي لا يوصف بعده أحد بهذا الوصف [ ص: 151 ] فلذا سقط بموته بخلاف الإمامة والقيام بأمور الأمة وبهذا التقرير اندفع ما أورده المقدسي على قولهم : ولا رسول بعده من أنهم إن أرادوا أن رسالته مقصورة على حياته فممنوع إذ قد صرح في منية المفتي بأن رسالة الرسول لا تبطل بموته ثم قال : ويمكن أن يقال إنها باقية حكما بعد موته وكان استحقاقه بحقيقة الرسالة لا بالقيام بأمور الأمة ا هـ . ولا يخفى ما في كلامه من إيهام انقطاع حقيقتها بعده صلى الله عليه وسلم فقد أفاد في الدر المنتقى أنه خلاف الإجماع . قلت : وأما ما نسب إلى الإمام الأشعري إمام أهل السنة والجماعة من إنكار ثبوتها بعد الموت . فهو افتراء وبهتان والمصرح به في كتبه وكتب أصحابه خلاف ما نسب إليه بعض أعدائه ; لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أحياء في قبورهم وقد أقام النكير على افتراء ذلك الإمام العارف أبو القاسم القشيري في كتابه : شكاية السنة ، وكذا غيره كما بسط ذلك الإمام ابن السبكي في طبقاته الكبرى في ترجمة الإمام الأشعري ( قوله كالصفي ) بفتح الصاد وكسر الفاء والياء المشددة نهر أي كما سقط الصفي بموته صلى الله عليه وسلم ( قوله يصطفيه لنفسه ) أي قبل قسمة الغنيمة ، وإخراج الخمس نهر كما اصطفى ذا الفقار وهو سيف منبه بن الحجاج حين قتله علي رضي الله تعالى عنه وكما اصطفى صفية بنت حيي بن أخطب من غنيمة خيبر رواه أبو داود في سننه والحاكم فتح وفي الشرنبلالية قال في طلبة الطلبة : وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يستأثر بالصفي زيادة على سهمه




الخدمات العلمية