الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويؤدب الذمي ويعاقب على سبه دين الإسلام أو القرآن أو النبي ) صلى الله عليه وسلم حاوي وغيره [ ص: 215 ] قال العيني : واختياري في السب أن يقتل . ا هـ .

وتبعه ابن الهمام . قلت : وبه أفتى شيخنا الخير الرملي وهو قول الشافعي ، ثم رأيت في معروضات المفتي أبي السعود ، أنه ورد أمر سلطاني بالعمل بقول أئمتنا القائلين بقتله إذا ظهر أنه معتاده وبه أفتى ثم أفتى في بكر اليهودي قال لبشر النصراني نبيكم عيسى ولد زنا بأنه يقتل [ ص: 216 ] لسبه للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ا هـ . قلت : ويؤيده أن ابن كمال باشا في أحاديثه الأربعينية في الحديث الرابع والثلاثين : يا عائشة لا تكوني فاحشة ما نصه : والحق أنه يقتل عندنا إذا أعلن بشتمه عليه الصلاة والسلام صرح به في سير الذخيرة ، حيث قال : واستدل محمد لبيان قتل المرأة إذا أعلنت بشتم الرسول بما روي { أن عمر بن عدي لما سمع عصماء بنت مروان تؤذي الرسول فقتلها ليلا مدحه صلى الله عليه وسلم على ذلك } انتهى فليحفظ

التالي السابق


( قوله ويؤدب الذمي ويعاقب إلخ ) أطلقه فشمل تأديبه وعاقبه بالقتل ، إذا اعتاده ، وأعلن به كما يأتي ، ويدل عليه ما قدمناه آنفا عن حافظ الدين النسفي ، وتقدم في باب التعزير أنه يقتل المكابر بالظلم وقطاع الطريق والمكاس وجميع الظلمة وجميع الكبائر ، وأنه أفتى الناصحي بقتل كل مؤذ . ورأيت في كتاب الصارم المسلول لشيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي ما نصه : وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا : لا ينتقض العهد بالسب ، ولا يقتل الذمي بذلك لكن يعزر على إظهار ذلك كما يعزر على إظهار المنكرات التي ليس لهم فعلها من إظهار [ ص: 215 ] أصواتهم بكتابهم ونحو ذلك وحكاه الطحاوي عن الثوري ، ومن أصولهم يعني الحنفية أن ما لا قتل فيه عندهم مثل القتل بالمثقل ، والجماع في غير القبل إذا تكرر ، فللإمام أن يقتل فاعله ، وكذلك له أن يزيد على الحد المقدر إذا رأى المصلحة في ذلك ويحملون ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من القتل في مثل هذه الجرائم ، على أنه رأي المصلحة في ذلك ويسمونه القتل سياسة . وكان حاصله : أن له أن يعزر بالقتل في الجرائم التي تعظمت بالتكرار ، وشرع القتل في جنسها ; ولهذا أفتى أكثرهم بقتل من أكثر من سب النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الذمة وإن أسلم بعد أخذه ، وقالوا يقتل سياسة ، وهذا متوجه على أصولهم . ا هـ . فقد أفاد أنه يجوز عندنا قتله إذا تكرر منه ذلك وأظهره وقوله وإن أسلم بعد أخذه لم أر من صرح به عندنا لكنه نقله عن مذهبنا وهو ثبت فيقبل ( قوله قال العيني إلخ ) قال في البحر : لا أصل له في الرواية ا هـ ورده الخير الرملي ، بأنه لا يلزم من عدم النقض عدم القتل ، وقد صرحوا قاطبة بأنه يعزر على ذلك ، ويؤدب وهو يدل على جواز قتله زجرا لغيره إذ يجوز الترقي في التعزير إلى القتل ، إذا عظم موجبه ومذهب الشافعي كمذهبنا على الأصح قال ابن السبكي : لا ينبغي أن يفهم من عدم الانتقاض أنه لا يقتل ، فإن ذلك لا يلزم . ا هـ . وليس في مذهبنا ما ينفي قتله خصوصا إذا أظهر ما هو الغاية في التمرد ، وعدم الاكتراث والاستخفاف واستعلى على المسلمين على وجه صار متمردا عليهم ا هـ ونقل المقدسي ما قاله العيني ، ثم قال ، وهو مما يميل إليه كل مسلم والمتون ، والشروح خلافه أقول ولنا أن نؤدب الذمي تعزيرا شديدا بحيث لو مات كان دمه هدرا . ا هـ .

قلت : لكن هذا إذا أعلن بالسب وكان مما لا يعتقده كما علمته آنفا ( قوله وتبعه ابن الهمام ) حيث قال والذي عندي أن سبه عليه الصلاة والسلام أو نسبة ما لا ينبغي إلى الله تعالى إن كان مما لا يعتقدونه كنسبة الولد إلى الله تعالى وتقدس عن ذلك إذا أظهره يقتل به وينتقض عهده ، وإن لم يظهره ولكن عثر عليه ، وهو يكتمه فلا وهذا لأنه الغاية في التمرد والاستخفاف بالإسلام والمسلمين ، فلا يكون جاريا على العقد الذي يدفع عنه القتل وهو أن يكون صاغرا ذليلا إلى أن قال : وهذا البحث منا يوجب أنه إذا استعلى على المسلمين على وجه صار متمردا عليهم يحل للإمام قتله أو يرجع إلى الذل والصغار . ا هـ . قال في البحر : وهو بحث خالف فيه أهل المذهب ا هـ وقال الخير الرملي إن ما بحثه في النقض مسلم مخالفته للمذهب وأما ما بحثه في القتل فلا ا هـ أي لما علمته آنفا من جواز التعزير بالقتل ولما يأتي من جواز قتله إذا أعلن به ( قوله وبه أفتى شيخنا ) أي بالقتل لكن تعزيرا كما قدمناه عنه وينبغي تقييده بما إذا ظهر أنه معتاده كما قيده به في المعروضات أو بما إذا أعلن به كما يأتي بخلاف ما إذا أعثر عليه ، وهو يكتمه كما مر عن ابن الهمام .

( قوله وبه أفتى ) أي أبو السعود مفتي الروم بل أفتى به أكثر الحنفية إذا أكثر السب ، كما قدمناه عن الصارم المسلول ، وهو معنى قوله : إذا ظهر أنه معتاده ومثله ما إذا أعلن به كما مر ، وهذا معنى قول ابن الهمام إذا أظهره يقتل به ، فلم يكن كلامه مخالفا للمذهب ، بل صرح به محرر المذهب الإمام محمد كما يأتي ( قوله بأنه يقتل ) لم يقيده بما إذا اعتاده كما قيد به أولا فظاهره أنه يقتل مطلقا وهو موافق لما أفتى به الخير الرملي ولما مر عن العيني [ ص: 216 ] والمقدسي ، لكن علمت تقييده بالإعلان ، أو بما في الصارم المسلول من اشتراط التكرار ( قوله لسبه للأنبياء ) المراد الجنس وإلا فهو قد سب نبيا واحدا ( قوله ويؤيده ) أي يؤيده قتل الكافر الساب ( قوله في أحاديثه ) الجار والمجرور خبر مقدم ، وما في قوله ما نصه نكرة موصوفة بمعنى شيء مبتدأ مؤخر ، والجملة من المبتدأ والخبر خبر إن ونصه مصدر بمعنى منصوصه مرفوع ، على أنه مبتدأ وقوله والحق إلخ هذه الجملة إلى آخرها أريد بها لفظها في محل رفع ، على أنها خبر نصه وجملة هذا المبتدأ أو خبره في محل رفع على أنها صفة لما الواقعة مبتدأ وجملة ما وخبرها المقدم خبر أن في قوله أن ابن كمال والمعنى : أن ابن كمال شيء منصوصه ، والحق إلخ ثابت في أحاديثه الأربعينية فافهم .

( قوله حيث قال إلخ ) بيانه أن هذا استدلال من الإمام محمد رحمه الله تعالى ، على جواز قتل المرأة إذا أعلنت بالشتم فهو مخصوص من عموم النهي عن قتل النساء ، من أهل الحرب كما ذكره في السير الكبير فيدل على جواز قتل الذمي المنهي عن قتله بعقد الذمة ، إذا أعلن بالشتم أيضا ، واستدل لذلك في شرح السير الكبير بعدة أحاديث منها : حديث أبي إسحاق الهمداني قال { جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال سمعت امرأة من يهود وهي تشتمك والله يا رسول الله إنها لمحسنة إلي فقتلتها فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمها }




الخدمات العلمية