الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي الدرر وقف مصحفا على أهل مسجد للقراءة إن يحصون جاز وإن وقف على المسجد جاز ويقرأ فيه ، ولا يكون محصورا على هذا المسجد وبه عرف حكم نقل كتب الأوقاف من محلها للانتفاع بها والفقهاء بذلك مبتلون فإن وقفها على مستحقي وقفه لم يجز نقلها [ ص: 366 ] وإن على طلبة العلم وجعل مقرها في خزانته التي في مكان كذا ففي جواز النقل تردد نهر

التالي السابق


( قوله : إن يحصون جاز ) هذا الشرط مبني على ما ذكره شمس الأئمة من الضابط وهو أنه إذا ذكر للوقف مصرفا لا بد أن يكون فيهم تنصيص على الحاجة حقيقة كالفقراء أو استعمالا بين الناس كاليتامى والزمنى ; لأن الغالب فيهم الفقر ، فيصح للأغنياء والفقراء منهم إن كانوا يحصون ، وإلا فلفقرائهم فقط ، ومتى ذكر مصرفا يستوي فيه الأغنياء والفقراء ، فإن كانوا يحصون صح باعتبار أعيانهم وإلا بطل ، وروي عن محمد أن ما لا يحصى عشرة ، وعن أبي يوسف مائة وهو المأخوذ به عند البعض وقيل أربعون وقيل ثمانون والفتوى أنه مفوض إلى رأي الحاكم إسعاف وبحر ( قوله : وإن وقف على المسجد جاز ) ظاهره أنه لا يشترط فيه كون أهله ممن يحصون ; لأن الوقف على المسجد لا على أهله كما هو المتبادر من المقابلة ، ولعل وجهه أنه يصير كالتنصيص على التأبيد بمنزلة الوقف على عمارة مسجد معين فإنه يصح في المختار لتأبده مسجدا كما قدمناه عند قوله ويجعل آخره لجهة قربة ( قوله : ولا يكون محصورا على هذا المسجد ) هذا ذكر في الخلاصة بقوله وفي موضع آخر ولا يكون إلخ أي وذكر في كتاب آخر فهو قول آخر مقابل لقوله : ويقرأ فيه ، فإن ظاهره أنه يكون مقصورا على ذلك المسجد وهذا هو الظاهر حيث كان الواقف عين ذلك المسجد ، فما فعله صاحب الدر حيث نقل العبارة عن الخلاصة ، وأسقط منها قوله وفي موضع آخر غير مناسب لإيهامه أنه من تتمة ما قبله إلا أن يكون قد فهم أن قوله : ويقرأ فيه محمول على الأولوية فيكون ما في موضع آخر غير مخالف له تأمل ، لكن في القنية : سبل مصحفا في مسجد بعينه للقراءة ليس له بعد ذلك أن يدفعه إلى آخر من غير أهل تلك المحلة للقراءة قال في النهر : وهذا يوافق القول الأول لا ما ذكر في موضع آخر ا هـ فهذا يفيد أنهما قولان متغايران خلافا لما فهمه في الدرر وتبعه الشارح ( قوله : وبه عرف حكم إلخ ) الحكم هو ما بينه بعد بقوله : فإن وقفها إلخ ط ( قوله : لم يجز نقلها ) ولا سيما إذا كان الناقل [ ص: 366 ] ليس منهم نهر ، ومفاده أنه عين مكانها بأن بنى مدرسة وعين وضع الكتب فيها لانتفاع سكانها .

مطلب في حكم الوقف على طلبة العلم ( قوله : وإن على طلبة العلم إلخ ) ظاهره صحة الوقف عليهم لأن الغالب فيهم الفقر كما علم من الضابط المار آنفا . وفي البحر قال شمس الأئمة : فعلى هذا إذا وقف على طلبة العلم في بلدة كذا يجوز لأن الفقر غالب فيهم ، فكان الاسم منبئا عن الحاجة ثم ذكر الضابط المار .

قلت : ومقتضاه أنهم إذا كانوا لا يحصون يختص بفقرائهم ، فعلى هذا وقف المصحف في المسجد والكتب في المدارس لا يحل لغير فقير وهو خلاف المتبادر من عبارة الخلاصة والقنية في المصحف . وقد يقال إن هذا مما يستوي في الانتفاع به الغني والفقير كما سيأتي من أن الوقف على ثلاثة أوجه : منها : ما يستوي فيه الفريقان كرباط وخان ومقابر وسقاية وعلله في الهداية بأن أهل العرف يريدون فيه التسوية بينهم لأن الحاجة داعية ، وهنا كذلك فإن واقف الكتب يقصد نفع الفريقين و لأنه ليس كل غني يجد كل كتاب يريده خصوصا وقت الحاجة إليه . مطلب في نقل كتب الوقف من محلها

( قوله : ففي جواز النقل تردد ) الذي تحصل من كلامه أنه إذا وقف كتبا وعين موضعها فإن وقفها على أهل ذلك الموضع ، لم يجز نقلها منه لا لهم ولا لغيرهم ، وظاهره أنه لا يحل لغيرهم الانتفاع بها وإن وقفها على طلبة العلم ، فلكل طالب الانتفاع بها في محلها وأما نقلها منه ، ففيه تردد ناشئ مما تقدمه عن الخلاصة من حكاية القولين ، من أنه لو وقف المصحف على المسجد أي بلا تعيين أهله قيل يقرأ فيه أي يختص بأهله المترددين إليه ، وقيل : لا يختص به أي فيجوز نقله إلى غيره ، وقد علمت تقوية القول الأول بما مر عن القنية وبقي ما لو عمم الواقف بأن وقفه على طلبة العلم لكنه شرط أن لا يخرج من المسجد أو المدرسة كما هو العادة وقدمنا عند قوله ولا يرهن عن الأشباه : أنه لو شرط أن لا يخرج إلا برهن لا يبعد وجوب اتباع شرطه وحمل الرهن على المعنى اللغوي تبعا لما قاله السبكي ويؤيده ما قدمناه قبيل قوله والملك يزول عن الفتح من قوله : إن شرائط الواقف معتبرة إذا لم تخالف الشرع وهو مالك ، فله أن يجعل ماله حيث شاء ما لم يكن معصية وله أن يخص صنفا من الفقراء ، وكذا سيأتي في فروع الفصل الأول أن قولهم شرط الواقف كنص الشارع أي في المفهوم والدلالة ، ووجوب العمل به قلت : لكن لا يخفى أن هذا إذا علم أن الواقف نفسه شرط ذلك حقيقة أما مجرد كتابة ذلك على ظهر الكتب كما هو العادة فلا يثبت به الشرط وقد أخبرني بعض قوام مدرسة إن واقفها كتب ذلك ليجعل حيلة لمنع إعارة من يخشى منه الضياع والله سبحانه أعلم . .




الخدمات العلمية