الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وندب للإمام [ ص: 152 ] أن ينفل وقت القتال حثا ) وتحريضا فيقول من قتل قتيلا فله سلبه سماه قتيلا لقربه منه ( أو يقول [ ص: 153 ] من أخذ شيئا فهو له ) وقد يكون بدفع مال وترغيب مآل فالتحريض نفسه واجب للأمر به واختيار لأدعى المقصود مندوب ولا يخالفه تعبير القدوري أي بلا بأس ; لأنه ليس مطردا لما تركه أولى بل يستعمل في المندوب أيضا قاله المصنف ، ولذا عبر في المبسوط بالاستحباب ( ويستحق الإمام لو قال من قتل قتيلا فله سلبه إذا قتل هو ) استحسانا ( بخلاف ) ما لو قال منكم أو قال ( من قتلته أنا فلي سلبه ) فلا يستحقه إلا إذا عمم بعده ظهيرية ويستحقه مستحق سهم أو رضخ فعم الذمي وغيره ( وذا ) أي التنفيل [ ص: 154 ] ( إنما يكون في مباح القتل فلا يستحقه بقتل امرأة ومجنون ونحوهما ممن لم يقاتل وسماع القاتل مقالة الإمام ليس بشرط ) في استحقاقه ما نفله إذ ليس في الوسع إسماع الكل ، ويعم كل قتال في تلك السنة ما لم يرجعوا وإن مات الوالي أو عزل ما لم يمنعه الثاني نهر ، وكذا يعم كل قتيل ; لأنه نكرة في سياق الشرط وهو من بخلاف إن قتلت قتيلا ولو قال إن قتلت ذلك الفارس فلك كذا لم يصح ، وإن قطعت رأس أولئك القتلى فلك كذا صح

-

التالي السابق


( قوله وندب للإمام ) وكذا لأمير السرية إلا إذا نهاه الإمام فليس له ذلك إلا برضا العسكر فيجوز من الأربعة الأخماس بحر . [ ص: 152 ] مطلب في التنفيل ( قوله أن ينفل ) التنفيل : إعطاء الإمام الفارس فوق سهمه وهو من النفل ، ومنه النافلة للزائد على الفرض ويقال لولد الولد كذلك ، ويقال نفله تنفيلا ونفله بالتخفيف نفلا لغتان فصيحتان فتح ( قوله وقت القتال ) قيد به القدوري ، ولا بد منه ; لأنه بعده لا يملكه الإمام ، وقيل : ما داموا في دار الحرب يملكه كذا في السراج ; وقد يؤيد هذا القيل أن قوله صلى الله عليه وسلم " { من قتل قتيلا فله سلبه } " إنما كان بعد الفراغ من حنين ولم أر جوازه قبل المقاتلة نهر . قلت : وفيه نظر ; لأن المنقول أن ذلك كان عند الهزيمة تحريضا للمسلمين ، على الرجوع إلى القتال وفي القهستاني : إن في قوله : وقت القتال إشارة إلى أنه يجوز التنفيل قبله بالأولى وإلى أنه لا يجوز به بعده لكن بعد القسمة ; لأنه استقر فيه حق الغانمين ا هـ ففيه التصريح بجوازه قبله وعزاه ح إلى المحيط وقوله : لكن بعد القسمة الظاهر أنه مبني على القيل المار عن السراج ، و يؤيده قول المتون : وينفل بعد الإحراز من الخمس فقط ، فإن مفهومه أنه قبل الإحراز بدارنا يجوز من الكل ، لكن الظاهر أن هذا المفهوم غير معتبر ; لأنه وقع التصريح بخلافه ، ففي المنبع عن الذخيرة : لا خلاف أن التنفيل قبل الإصابة ، وإحراز الغنيمة وقبل أن تضع الحرب أوزارها جائز ويوم الهزيمة ، ويوم الفتح لا يجوز ; لأن القصد به التحريض على القتال ولا حاجة إليه إذا انهزم العدو ، وأما بعد الإحراز فلا يجوز إلا من الخمس إذا كان محتاجا ا هـ ملخصا .

وفي متن الملتقى ، ومتن المختار وللإمام : أن ينفل قبل إحراز الغنيمة وقبل أن تضع الحرب أوزارها فقولهم : وقبل أن تضع الحرب أوزارها فائدته دفع توهم الجواز بعد انتهاء الحرب ; لأن قولهم قبل إحراز الغنيمة يشمل ما بعد الإصابة : أي إصابة العسكر الغنيمة بالهزيمة وانتهاء الحرب مع أنه غير مراد كما بينه عطف هذه الجملة . وفي الفتح التنفيل إنما يجوز عندنا قبل الإصابة ، فقد ظهر ضعف ما في السراج مع أن صاحب السراج ، لم يعول عليه في مختصره الجوهرة حيث قال : عن الخجندي : التنفيل : إما أن يكون قبل الفراغ من القتال أو بعده ، فإن كان بعده لا يملكه الإمام ، ; لأنه إنما جاز لأجل التحريض على القتال وبعد الفراغ منه لا تحريض . ا هـ . قلت : وكل ما ورد من التنفيل بعد القتال فهو محمول عندنا على أنه من الخمس كما بسطه السرخسي .

مطلب الاقتباس من القرآن جائز عندنا [ تنبيه ] قولهم أن تضع الحرب أوزارها اقتباس من القرآن ، وبه يستدل على جوازه عندنا كما بسطه الشارح في الدر المنتقى فراجعه ( قوله وتحريضا ) أي ترغيبا في القتال .

مطلب في قولهم اسم الفاعل حقيقة في الحال ( قوله سماه قتيلا لقربه منه ) أي من القتل ففيه مجاز الأول مثل أعصر خمرا لكن قال الزركشي قولهم : اسم الفاعل حقيقة في الحال أي حال التلبس بالفعل لا حال النطق فإن حقيقة الضارب والمضروب لا تتقدم على الضرب ولا تتأخر عنه ، فهما معه في زمن واحد ومن هذا ظهر أن قوله عليه الصلاة والسلام " { من قتل قتيلا فله سلبه } " أن قتيلا حقيقة ، وأن ما ذكروه من أنه سمي قتيلا باعتبار مشارفته للقتل لا تحقيق فيه . ا هـ . وصرح القرافي في شرح التنقيح ، بأن المشتق إنما يكون حقيقة في الحال مجازا في الاستقبال مختلفا فيه في الماضي إذا كان محكوما [ ص: 153 ] به أما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو حقيقة مطلقا ، يعني سواء كان بمعنى الحال أو الاستقبال أو الماضي إجماعا وحينئذ ، فلا مجاز أبو السعود عن الحموي وقوله : إذا كان محكوما به كقولك : زيد قائم فإنه حكم به على زيد ، بخلاف جاء القائم فإنه جعل متعلق الحكم بالمجيء ففي الأول لا بد من أن يكون متصفا بالقيام حال النطق ، حتى يصح الحكم عليه بالصفة وإلا كان مجازا بخلاف الثاني فإن قولك : جاء القائم غدا حكم بالمجيء على ذات القائم غدا أي على من يسمى قائما غدا أي حال التلبس بالصفة ومنه من قتل قتيلا أي شخصا يسمى قتيلا عند تحقق القتل فيه فافهم .

( قوله أو يقول من أخذ شيئا فهو له ) هذا الفرع منقول في حواشي الهداية وللكمال فيه كلام سنذكره مع جوابه عند قول الشارح وجاز التنفيل بالكل ( قوله وقد يكون بدفع مال ) كأن يقول له خذ هذه المائة واقتل هذا الكافر تأمل ولم أره ( قوله وترغيب مآل ) الظاهر أنه بهمزة ممدودة والإضافة على معنى في : أي ترغيب في المآل مثل : إن قتلت قتيلا فلك ألف درهم ، لكن يشترط أن لا يصرح بالأجر كما سنذكره قريبا ( قوله فالتحريض إلخ ) جواب عما يورد على قوله : وندب للإمام إلخ . وحاصله : أن التحريض الواجب قد يكون بالترغيب في ثواب الآخرة أو في التنفيل ، فهو واجب مخير وإذا كان التنفيل أدعى الخصال إلى المقصود يكون هو الأولى ، فصار المندوب اختيار إسقاط الواجب به لا هو في نفسه بل هو واجب مخير فتح ملخصا ، وفيه رد لقول العناية إن الأمر في الآية مصروف عن الوجوب لقرينة ( قوله ولا يخالفه ) أي لا يخالف قول المصنف وندب .

مطلب كلمة لا بأس قد تستعمل في المندوب ( قوله بل يستعمل في المندوب ) يظهر لي أن محله في موضع يتوهم فيه البأس أي الشدة كما هنا فإن فيه تخصيص الفارس بزيادة مع قطع الخمس بل استعمل نظيره في القرآن في الواجب كما في قوله تعالى - { فلا جناح عليه أن يطوف بهما } - فنفى الجناح لما كانوا يعتقدونه من حرمة السعي بين الصفا والمروة ( قوله قاله المصنف ) أي تبعا للفتح وغيره ( قوله ولذا ) أي لكونه مندوبا لا خلاف الأولى ( قوله استحسانا ) والقياس عدمه ; لأن غيره يستحق بإيجابه وهو لا يملك الإيجاب لنفسه كالقاضي لا يملك القضاء لنفسه وجه الاستحسان أنه أوجب النفل للجيش وهو واحد منهم ( قوله فلا يستحقه ) ; لأنه في الأول خصهم بقوله منكم ; فلا يتناوله الكلام ، وفي الثاني هو متهم بتخصيصه نفسه ( قوله إلا إذا عمم بعده ) أي إذا قال : إن قتلت قتيلا فلي سلبه ولم يقتل أحدا حتى قال : ومن قتل منكم قتيلا فله سلبه فقتل الأمير قتيلا استحقه ; لأن التنفيل صار عاما باعتبار كلاميه ولا فرق بين كونه بكلامين ، أو بكلام واحد ; لأن الأول لم يصح للتهمة بالتخصيص وقد زالت بالثاني أفاده السرخسي .

وحاصله : أن التعميم حصل بمجموع الكلامين لا بالثاني فقط فافهم ( قوله ويستحقه ) أي السلب ( قوله وغيره ) كالتاجر والمرأة والعبد بحر ( قوله أي التنفيل ) أي تنفيل الإمام بقوله : من قتل قتيلا إنما يكون في مباح القتل : أي وإن كان لفظ قتيلا نكرة لكنه مقيد بمن يباح قتله ، فيدخل فيه أجير لهم وتاجر منهم وعبد يخدم [ ص: 154 ] مولاه ومرتد أو ذمي لحق بهم ومريض أو مجروح ، وإن لم يستطع القتال وشيخ فان له رأي أو يرجى نسله ; لأن قتله مباح نعم لو قتل مسلما كان يقاتل في صفهم لم يكن له سلبه ; لأنه وإن كان مباح الدم لكن سلبه ليس بغنيمة كأهل البغي إلا إذا كان سلبه للمشركين أعاروه إياه سرخسي وما ذكره في الدر المنتقى عن البرجندي عن الظهيرية من أنه يستحق السلب بقتل من لم يقاتل استحسانا لم أره في الظهيرية بل الذي فيها عدم الاستحقاق كما عزاه إليها القهستاني فافهم ( قوله ممن لم يقاتل ) حتى لو قاتل الصبي فله سلبه ; لأنه مباح الدم وكذا المرأة كما في شرح السير ( قوله ويعم كل قتال في تلك السنة ) الأولى السفرة كما عبر في البحر والنهر ، وفي شرح السير لو نفل في دار الحرب قبل القتال يبقى حكمه إلى أن يخرجوا من دار الحرب حتى لو رأى مسلم مشركا نائما فقتله فله سلبه كما لو قتله في الصف أو بعد الهزيمة أما لو نفل بعدما اصطفوا للقتال فهو على ذلك القتال حتى ينقضي ولو بقي أياما .

( قوله وإن مات الوالي أو عزل ) في شرح السير لو جاء مع المدد أمير وعزل الأمير الأول بطل تنفيله فيما يستقبل لزوال ولايته بالعزل ، أما لو لم يقدم أمير بل مات أميرهم فأمر عليهم غيره لم يبطل حكم تنفيل الأول ; لأن الثاني قائم مقامه إلا إذا أبطله الثاني أو كان الخليفة قال لهم إن مات أميركم فأميركم فلان فيبطل تنفيل الأول ; لأن الثاني نائب الخليفة بتقليده من جهته ، فكأنه قلده ابتداء ، فينقطع حكم رأي الأول برأي فوقه ا هـ ملخصا . وحاصله : بطلانه بالعزل وكذا بالموت إذا نصب غيره بعده من جهة الخليفة لا من جهتهم وهو خلاف ما في الشرح تبعا للبحر والنهر ( قوله ; لأنه نكرة في سياق الشرط ) فيه أن النكرة في سياق الشرط إنما تعم في اليمين المثبت ; لأن الحلف على نفيه دون المنفي كإن لم أكلم رجلا ; لأنه على الإثبات كأنه قال لأكلمن رجلا كما في التحرير ح .

قلت : ذكر في التحرير أيضا أنه قد يظهر عموم النكرة من المقام وغيره كعلمت نفس وتمرة خير من جرادة وأكرم كل رجل ا هـ وهنا كذلك كما يأتي تلوه فافهم ( قوله بخلاف إن قتلت قتيلا ) أي فقتل المخاطب قتيلين مثلا لا يعم الكل بل له سلب الأول فقط استحسانا والقياس أنه كالأول ; لأنه علق استحقاقه بشرط يتكرر فلا ينتهي بقتل الأول وجه الاستحسان أنه في الأول لما لم يعين إنسانا بعينه ، فقد خرج الكلام منه عاما ألا ترى أنه يتناول جميع المخاطبين ، فكما يعم جماعتهم يعم جماعة المقتولين ، وحقيقة معنى الفرق أن مقصود الإمام من تحريضهم المبالغة في النكاية في المشركين ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون القاتل للعشرة مثلا عشرة من المسلمين أو واحدا منهم ، وأما الثاني فالمقصود فيه معرفة جلادة ذلك الرجل ، وذلك يتم بدون إثبات العموم في المقتولين ا هـ ملخصا من شرح السير الكبير . وقد خطر لي هذا الفرق قبل رؤيته ولله تعالى الحمد .

وحاصله : يرجع إلى أن العموم في أحدهما استفيد من قرينة المقام كما نبهنا عليه آنفا فافهم ( قوله ولو قال إن قتلت ذلك الفارس إلخ ) أقول : هذا إذا صرح بكونه أجرا وإلا فهو تنفيل لما في السير الكبير للسرخسي ، ولو قال الأمير لمسلم حر أو عبد إن قتلت ذلك الفارس من المشركين ، فلك علي أجر مائة دينار ، فقتله لم يكن له أجر ; لأنه لما صرح بالأجر لا يمكن حمل كلامه على التنفيل ، والاستئجار على الجهاد لا يجوز وإن قال ذلك لذمي فكذلك عندهما ، وعند محمد جاز وأصل جواز الاستئجار على القتل عنده لا عندهما ; لأنه إزهاق الروح ، وليس [ ص: 155 ] من عمله ولو كان الأسرى قتلى فقال من قطع رءوسهم فله أجر عشرة دراهم ، ففعل ذلك مسلم أو ذمي استحقه ; لأن ذلك ليس من عمل الجهاد ، ولو أراد قتل الأسرى فاستأجر عليه مسلما أو ذميا فهو على الخلاف ا هـ ملخصا .

وهذا صريح بأنه لو لم يصرح بالاستئجار يكون تنفيلا ، ويشهد له فروع كثيرة في السير الكبير أيضا منها من جاء بألف درهم ، فله ألفان ، فجاء رجل بألف لم يكن له غيرها ، بخلاف من جاء بأسير فهو له وخمسمائة درهم فإنه يعطى ذلك ; لأن المقصود هنا نكاية العدو ، وفيما قبله لا مقصود إلا المال ، ولو قال : من قتل الملك فله عشرة آلاف دينار صح ، وإن لم يحصل بقتله مال ، قال حين اصطفوا للقتال : من جاء برأس فله مائة دينار فهو على رأس الرجال دون السبي ; لأن المقصود في هذه الحالة التحريض على القتال ا هـ ففي هذه الفروع ذكر مال معلوم وقد جعل تنفيلا لا إجارة لعدم التصريح بها ، فقد ظهر أن ما ذكره الشارح تبعا للنهر على المنية ، وكذا ما نقله ح عن قاضي خان ، ليس على إطلاقه ، وأما القول بأن الاستئجار على الطاعات جائز عند المتأخرين ، ففيه أنهم أجازوه في مسائل خاصة للضرورة ، وليس الجهاد منها ولا يصح حمل كلامهم على كل عبادة كما نبهنا عليه سابقا فافهم




الخدمات العلمية