الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن غلبوا على أموالنا ) ولو عبدا مؤمنا ( وأحرزوها بدارهم ملكوها ) لا للاستيلاء على مباح ، [ ص: 161 ] لما أن الصحيح من مذهب أهل السنة أن الأصل في الأشياء التوقف ، والإباحة رأي المعتزلة ، بل ; لأن العصمة من جملة الأحكام المشروعة وهم لم يخاطبوا بها فبقي في حقهم مالا غير معصوم فيملكونه كما حققه صاحب المجمع في شرحه ويفترض علينا اتباعهم فإن أسلموا تقرر ملكهم

التالي السابق


( قوله ولو عبدا مؤمنا ) وكذا الكافر بالأولى وكان الأولى التعبير بالقن ليخرج المدبر ، والمكاتب ، وأم الولد فإنهم لا يملكونهم كما سيذكره المصنف ومثل العبد الأمة كما في الدرر .

مطلب يلحق بدار الحرب المفازة و البحر الملح



( قوله وأحرزوها بدارهم ) ويلحق بها البحر الملح ونحوه كمفازة ليس وراءها بلاد إسلام ، نقله بعضهم عنالحموي وفي حاشية أبي السعود عن شرح النظم الهاملي سطح البحر له حكم دار الحرب ا هـ وفي الشرنبلالية قبيل باب العشر : سئل قارئ الهداية عن البحر الملح أمن دار الحرب ، أو الإسلام أجاب : أنه ليس من أحد القبيلين ; لأنه لا قهر لأحد عليه ا هـ قال في الدر المنتقى هناك : لكن قدمنا في باب نكاح الكافر أن البحر الملح ملحق بدار الحرب ( قوله ملكوها ) هو قول مالك وأحمد أيضا فيحل الأكل والوطء لمن اشتراه منهم كما في الفتح لقوله تعالى - { للفقراء المهاجرين } - سماهم فقراء فدل على أن الكفار ملكوا أموالهم التي هاجروا عنها ، ومن لا يصل إلى ماله ليس فقيرا ، بل هو ابن سبيل ولذا عطفوا عليهم في آية الصدقات وهذا مؤيد لما ورد من طرق كثيرة ، وإن كانت ضعيفة تفيد هذا الحكم بلا شك ، كما أوضحه وأطال في تحقيقه ابن الهمام ( قوله لا للاستيلاء إلخ ) رد على الهداية حيث ذكر أن عند الشافعي لا يملكونها ; لأن الاستيلاء محظور فلا يفيد الملك ، [ ص: 161 ] ولنا أن الاستيلاء ورد على مال مباح ; لأن العصمة في المال إنما ثبتت على منافاة الدليل ، وهو قوله تعالى { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } - فإنه يقتضي إباحة الأموال وعدم العصمة لكنها ثبتت لضرورة تمكن المالك من الانتفاع ، فإذا زالت المكنة بالاستيلاء وتباين الدارين عاد مباحا كما كان ا هـ موضحا من العناية والفتح .

مطلب في أن الأصل في الأشياء الإباحة ( قوله لما أن الصحيح إلخ ) حاصله أن هذا التعليل المار عن الهداية مبني على أن الأصل في الأشياء الإباحة وهو رأي المعتزلة ، والصحيح من مذهب أهل السنة أن الأصل فيها الوقف حتى يرد الشرع ، بل الوجه أن العصمة ثابتة بخطاب الشرع عندنا ، فلم تظهر العصمة في حقهم ، وعند الشافعي هم مخاطبون بالشرائع ، فظهرت العصمة في حقهم فلا يملكونها بالاستيلاء هذا حاصل ما في المنبع شرح المجمع . أقول : وفيه نظر من وجوه . الأول : أن ما مر عن الهداية ليس مبنيا على أن الأصل الإباحة ; لأن الخلاف المذكور فيه إنما هو قبل ورود الشرع ، وصاحب الهداية إنما أثبت الإباحة بعد ورود الشرع بمقتضى الدليل يعني أن مقتضى الدليل إباحتها ، لكن ثبتت العصمة بعارض ، وقد صرح بذلك في أصول البزدوي حيث قال بعد ورود الشرع الأموال على الإباحة بالإجماع ما لم يظهر دليل الحرمة ; لأن الله تعالى أباحها بقوله - { خلق لكم ما في الأرض جميعا } - .

الثاني : أن الكفار مخاطبون بالإيمان وبالعقوبات سوى حد الشرب وبالمعاملات ، وإنما الخلاف في العبادات كما قدمناه أوائل الجهاد . الثالث : أن قوله فلم تظهر العصمة في حقهم أي هو مباح لهم ففيه رجوع إلى القول بالإباحة كما أفاده ط . الرابع : أن نسبة الإباحة إلى المعتزلة مخالف لما في كتب الأصول ، ففي تحرير ابن الهمام المختار الإباحة عند جمهور الحنفية والشافعية ا هـ وفي شرح أصول البزدوي للعلامة الأكمل قال أكثر أصحابنا وأكثر أصحاب الشافعي إن الأشياء التي يجوز أن يرد الشرع بإباحتها وحرمتها قبل وروده على الإباحة ، وهي الأصل فيها حتى أبيح لمن لم يبلغه الشرع أن يأكل ما شاء وإليه أشار محمد في الإكراه حيث قال : أكل الميتة وشرب الخمر لم يحرما إلا بالنهي ، فجعل الإباحة أصلا والحرمة بعارض النهي ، وهو قول الجبائي وأبي هاشم وأصحاب الظاهر . وقال بعض أصحابنا وبعض أصحاب الشافعي ومعتزلة بغداد : إنها على الحظر وقالت الأشعرية وعامة أهل الحديث : إنها على الوقف حتى أن من لم يبلغه الشرع يتوقف ولا يتناول شيئا فإن تناول لم يوصف فعله بحل ولا حرمة وقال عبد القاهر البغدادي تفسيره لا يستحق ثوابا ولا عقابا وإليه مال الشيخ أبو منصور ا هـ وبسط أدلة الأقوال فيه ( قوله ويفترض علينا اتباعهم ) أي لاستنقاذ أموالنا ما داموا في دار الإسلام ; فإن دخلوا دار الحرب لا يفترض ; والأولى الاتباع بخلاف الذراري يفترض اتباعهم مطلقا بحر عن المحيط وقوله مطلقا أي ، وإن دخلوا دار الحرب لكن ما لم يبلغوا حصونهم كما قدمناه أول الجهاد عن الذخيرة ( قوله فإن أسلموا تقرر ملكهم ) أي لا سبيل لأربابها عليها بحر عن شرح الطحاوي ; وعبر الشارح بالتقرر ; لأن ملكهم بعد الإحراز [ ص: 162 ] قبل الإسلام ، على شرف الزوال إذا غلبنا عليهم وبهذا التعبير صح ذكر هذه المسألة في شرح قوله ، وإن غلبوا على أموالنا إلخ ، ليفيد أن قوله ملكوها أي ملكا على شرف الزوال ، وإلا كان المناسب ذكرها عند قوله وملكنا ما نجده من ذلك إلخ بأن يقول إلا إن كانوا أسلموا لتقرر ملكهم تأمل




الخدمات العلمية