الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فإذا خرج جماعة مسلمون عن طاعته ) أو طاعة نائبه الذي رضي الناس به في أمان درر ( وغلبوا على بلد دعاهم إليه ) أي إلى طاعته ( وكشف شبهتهم ) استحبابا ( فإن تحيزوا مجتمعين حل لنا قتالهم بدءا حتى نفرق جمعهم ) إذ الحكم يدار على دليله وهو الاجتماع والامتناع ( ومن دعاه الإمام إلى ذلك ) أي قتالهم ( افترض عليه إجابته ) لأن طاعة الإمام فيما ليس بمعصية فرض فكيف فيما هو طاعة بدائع ( لو قادرا ) - [ ص: 265 ] وإلا لزم بيته درر . وفي المبتغى لو بغوا لأجل ظلم السلطان ولا يمتنع عنه لا ينبغي للناس معاونة السلطان ولا معاونتهم

التالي السابق


( قوله : فإذا خرج جماعة مسلمون ) قيد بذلك ; لأن أهل الذمة إذا غلبوا على بلدة صاروا أهل حرب كما مر ، ولو قاتلونا مع أهل البغي لم يكن ذلك نقضا للعهد منهم ، وهذا لا يرد على المصنف ; لأنهم أتباع للبغاة المسلمين نهر أي فلهم حكمهم بطريق التبعية . ( قوله : عن طاعته ) أي طاعة الإمام ، وقيده في الفتح بأن يكون الناس به في أمان والطرقات آمنة ا هـ ومثله ما ذكره عن الدرر وجهه : أنه إذا لم يكن كذلك يكون عاجزا أو جائرا ظالما يجوز الخروج عليه وعزله إن لم يلزم منه فتنة كما علمته آنفا ( قوله : وغلبوا على بلد ) الظاهر إن ذكر البلد بيان للواقع غالبا ; لأن المدار على تجمعهم وتعسكرهم ، وهو لا يكون إلا في محل يظهر فيه قهرهم والغالب كونه بلدة ، فلو تجمعوا في برية فالحكم كذلك تأمل ( قوله : أي إلى طاعته ) أشار إلى أنه على تقدير مضاف ( قوله : وكشف شبهتهم استحبابا ) أي بأن يسألهم عن سبب خروجهم ، فإن كان لظلم منه أزاله ، وإن لدعوى أن الحق معهم والولاية لهم فهم بغاة فلو قاتلهم بلا دعوة جاز ; لأنهم علموا ما يقاتلون عليه كالمرتدين وأهل الحرب بعد بلوغ الدعوة بحر ( قوله : فإن تحيزوا مجتمعين ) أي مالوا إلى جهة مجتمعين فيها أو إلى جماعة ، وهذا في معنى قوله وغلبوا على بلد فكان أحدهما يغني عن الآخر على ما قلنا ( قوله : حل لنا قتالهم بدءا ) هذا اختيار لما نقله خواهر زاده عن أصحابنا أنا نبدؤهم قبل أن يبدؤنا ; لأنه لو انتظر حقيقة قتالهم ربما لا يمكنه الدفع ، فيدار على الدليل ضرورة دفع شرهم . ونقل القدوري أنه لا يبدؤهم حتى يبدؤه . وظاهر كلامهم أن المذهب الأول بحر ، ولو اندفع شرهم بأهون من القتل وجب بقدر ما يندفع به شرهم زيلعي .

مطلب في وجوب طاعة الإمام ( قوله : افترض عليه إجابته ) والأصل فيه قوله تعالى { - وأولي الأمر منكم - } وقال صلى الله عليه وسلم { اسمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع } وروي { مجدع } وعن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام قال [ ص: 265 ] { عليكم بالسمع والطاعة لكل من يؤمر عليكم ما لم يأمركم بمنكر } ففي المنكر لا سمع ولا طاعة ثم إذا أمر العسكر بأمر فهو على أوجه : إن علموا أنه نفع بيقين أطاعوه وإن علموا خلافه كأن كان لهم قوة وللعدو مدد يلحقهم لا يطيعونه ، وإن شكوا لزمهم إطاعته ، وتمامه في الذخيرة ( قوله : وإلا لزم بيته ) أي إن لم يكن قادرا ، وعليه يحمل ما روي عن جماعة من الصحابة ، أنهم قعدوا في الفتنة ، وربما كان بعضهم في تردد من حل القتال . والمروي عن أبي حنيفة من قول الفتنة : إذا وقعت بين المسلمين فالواجب على كل مسلم أن يعتزل الفتنة ويقعد في بيته محمول على ما إذا لم يكن لهم إمام . وما روي { إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار } محمول على اقتتالهما حمية وعصبية كما يتفق بين أهل قريتين ومحلتين ، أو لأجل الدنيا والملك ، وتمامه في الفتح ( قوله : وفي المبتغى إلخ ) موافق لما مر من جامع الفصولين ، ومثله في السراج ، لكن في الفتح : ويجب على كل من أطاق الدفع أن يقاتل مع الإمام إلا إن أبدوا ما يجوز لهم القتال كأن ظلمهم أو ظلم غيرهم ظلما لا شبهة فيه بل يجب أن يعينوهم حتى ينصفهم ويرجع عن جوره ، بخلاف ما إذا كان الحال مشتبها أنه ظلم مثل تحميل بعض الجبايات التي للإمام أخذها وإلحاق الضرر بها لدفع ضرر أعم منه . ا هـ .

قلت : ويمكن التوفيق بأن وجوب إعانتهم إذا أمكن امتناعه عن بغيه وإلا فلا كما يفيده قول المبتغى ، ولا تمتنع عنه تأمل




الخدمات العلمية