الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولكل من شريكي العنان والمفاوضة أن يستأجر ) من يتجر له أو يحفظ المال ( ويبضع ) أي يدفع المال بضاعة ، بأن يشترط الربح لرب المال ( ويودع ) [ ص: 317 ] ويعير ( ويضارب ) لأنها دون الشركة فتضمنتها ( ويوكل ) أجنبيا ببيع وشراء ، ولو نهاه المفاوض الآخر صح نهيه بحر ( ويبيع ) بما عز وهان خلاصة ( بنقد ونسيئة ) بزازية ( ويسافر ) بالمال له حمل أو لا هو الصحيح ، خلافا للأشباه .

وقيل : إن له حمل يضمن وإلا لا ظهيرية ، ومؤنة السفر والكراء من رأس المال إن لم يربح خلاصة .

التالي السابق


( قوله ولكل من شريكي العنان إلخ ) هذا كله عند عدم النهي . ففي الفتح : وكل ما كان لأحدهما إذا نهاه عنه شريكه لم يكن له فعله ; ولهذا لو قال له اخرج لدمياط ولا تجاوزها فجاوزها فهلك المال ضمن حصة شريكه ; لأنه نقل حصته بغير إذنه ، وكذا لو نهاه عن بيع النسيئة بعد ما كان أذن له فيه . ا هـ .

قلت : وسيأتي في المضاربة أنه إذا صار المال عروضا لا يصح نهي المضارب عن البيع نسيئة ; لأنه لا يملك عزله في هذه الحالة . وظاهره أن الشركة ليست كذلك ; لأنه يملك فسخها مطلقا كما سيأتي في الفصل ( قوله : ويبضع إلخ ) في القاموس : الباضع الشريك ا هـ والمراد هنا دفع المال لآخر ليعمل فيه على أن يكون الربح لرب المال ولا شيء [ ص: 317 ] للعامل بحر ( قوله : ويعير ) فلو أعار دابة فعطبت تحت المستعير فالقياس أن يضمن المعير نصف شريكه ، ولكني أستحسن أن لا أضمنه ، وهذا قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ، وكذلك لو أعار ثوبا أو دارا أو خادما بحر عن كافي الحاكم ( قوله : ويضارب ) أي يدفع المال مضاربة وهو الأصح .

أما إذا أخذ مالا مضاربة ، فإن أخذه ليتصرف فيما ليس من تجارتهما فالربح له خاصة ، وكذا فيما هو من تجارتهما إذا كان بحضرة صاحبه ، ولو مع غيبته أو مطلقا كان الربح بينهما نصفه لشريكه ونصفه بين المضارب ورب المال ، كذا في المحيط نهر ، وقوله أو مطلقا : أي عن التقييد بكونه من تجارتهما ( قوله : لأنها ) أي المضاربة دون الشركة لكون الوضيعة تلزم الشريك ولا تلزم المضارب فتتضمن الشركة المضاربة فتح ( قوله : ويوكل ) ; لأن التوكيل بالبيع والشراء من أعمال التجارة ، والشركة انعقدت لها ، بخلاف الوكيل صريحا بالشراء ليس له أنه يوكل به ; لأنه عقد خاص طلب به شراء شيء بعينه فلا يستتبع مثله فتح ( قوله ولو نهاه المفاوض الآخر ) التقييد بالمفاوض وبكون النهي عن التوكيل اتفاقي لما مر أن كل ما كان لأحدهما فعله يصح نهي الآخر عنه ط .

أقول : سياق كلام البحر يقتضي أن هذا خاص بالمفاوضة خلافا لما فهمه ح كما يعلم من مراجعة البحر لكن يخالفه ما في الخانية في فصل العنان : ولو وكل أحدهما رجلا في بيع أو شراء وأخرجه الآخر عن الوكالة صار خارجا عنها ، فإن وكل البائع رجلا يتقاضى ثمن ما باع فليس للآخر أن يخرجه عن الوكالة ا هـ أي ليس لأحدهما قبض ثمن ما باعه الآخر ولا المخاصمة فيه كما يأتي قريبا فكذا ليس له إخراج وكيله بالقبض .

ثم لا يخفى أن الضمير المنصوب في قول الشارح ولو نهاه عائد إلى الوكيل كما هو صريح عبارة الخانية لا إلى الموكل حتى يكون النهي عن التوكيل ويكون التقييد فيه اتفاقيا فافهم ( قوله : ويبيع بما عز وهان ) أي له أن يبيع بثمن زائد وناقص ، قيد بالبيع ; لأن الشراء لا يجوز إلا بالمعروف كما في الرملي عن المنح عن الجوهرة وسيذكر الشارح في كتاب الوكالة أن الوكيل له البيع بما قل أو كثر وبالعرض ، وخصاه بالقيمة والنقود ، وبه يفتى بزازية ا هـ ومقتضاه أن المفتى به هنا كذلك لكن ذكر العلامة قاسم هناك تصحيح قول الإمام وإنه أصح الأقاويل فافهم ، وفي البحر عن البزازية : وإن باع أحدهما متاعا ورد عليه فقبله جاز ولو بلا قضاء ، وكذا لو حط أو أخر من عيب وإن بلا عيب جاز في حصته وكذا لو وهب ; ولو أقر بعيب في متاع باعه جاز عليهما . ا هـ . ويأتي تمام ذلك قبيل قوله وهو أمين ( قوله : وبنقد ونسيئة ) متعلق بقوله ويبيع .

وأما الشراء ، فإن لم يكن في يده دراهم ولا دنانير من الشركة فاشترى بدراهم أو دنانير فهو له خاصة ; لأنه لو وقع مشتركا تضمن إيجاب مال زائد على الشريك وهو لم يرض بالزيادة على رأس المال والوالجية ومفاده أنه لو رضي وقع مشتركا ; لأنه يملك الاستدانة بإذن شريكه كما قدمناه عن البحر عن المحيط ومنه ما سيأتي قبيل الفروع عن الأشباه ويأتي تمامه ، وما مر من التفصيل في الشراء إنما هو في شركة العنان أما في المفاوضة فهو عليهما مطلقا كما في الخانية .

( قوله : خلافا للأشباه ) الذي فيها هو ما نقله عقبه عن الظهيرية ( قوله : ومؤنة السفر إلخ ) أي ما أنفقه على نفسه من كرائه ونفقته وطعامه وإدامه من جملة رأس المال في رواية الحسن عن أبي حنيفة قال محمد : وهذا استحسان ، فإن ربح تحسب النفقة من الربح وإن لم يربح كانت من رأس المال خانية .




الخدمات العلمية