الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( أقر القاذف بالقذف ، فإن أقام أربعة على زناه ) ولو في كفره لسقوط إحصانه كما مر ( أو أقر بالزنا ) أربعا ( كما مر ) عبارة الدرر : أو إقراره بالزنا ، فيكون معناه أو أقام بينة على إقراره بالزنا ، وقد حرر في البحر أن البينة على ذلك لا تعتبر أصلا ولا يعول عليها ، [ ص: 57 ] لأنه إن كان منكرا فقد رجع فتلغو البينة ، وإن كان مقرا لا تسمع مع الإقرار إلا في سبع مذكورة في الأشباه ليست هذه منها ، فلذا غير المصنف العبارة فتنبه ( حد المقذوف ) يعني إذا لم تكن الشهادة بحد متقادم كما لا يخفى ( وإن عجز ) عن البينة للحال ( واستأجر لإحضار شهوده في المصر يؤجل إلى قيام المجلس ، فإن عجز حد ولا يكفل ليذهب لطلبهم بل يحبس ويقال ابعث إليهم ) من يحضرهم ; ولو أقام أربعة فساقا أنه كما قال درئ الحد عن القاذف والمقذوف والشهود ملتقط .

التالي السابق


( قوله على زناه ) أي زنا بالمقذوف ( قوله لسقوط إحصانه ) لا محل لذكره هنا ; لأن جواب المسألة هو قول المصنف حد المقذوف ، فالكلام في حد المقذوف لا في حد القاذف ، وقدمنا قريبا عن الفتح أن الزنا يتحقق من الكافر ويقام عليه حد الجلد لا الرجم ، ولا يسقط الحد بالإسلام ، وقدمه الشارح أيضا عند بيان شروط الإحصان ، نعم هذا التعليل يناسب سقوط الحد عن القاذف ، وإذا كان جواب المسألة حد المقذوف يلزم منه سقوط الحد عن القاذف فلم يكن التعليل خارجا عن المناسبة من كل وجه ، كيف والباب معقود لحد القاذف دون المقذوف فافهم ( قوله كما مر ) أي نظير ما مر من كونه في أربعة مجالس ( قوله وقد حرر في البحر إلخ ) أي في باب حد الزنا وذكر مثله هنا في الشرنبلالية عن البدائع .

[ ص: 57 ] والحاصل أن تعبير الدرر بالإقرار لا يناسب قوله حد المقذوف وإنما يناسب لو قال سقط الحد عن القاذف وهو الأولى ; لأن الباب معقود له لا لحد المقذوف . قال في الفتح : فإن شهد رجلان أو رجل وامرأتان على إقرار المقذوف بالزنا يدرأ عن القاذف الحد وعن الثلاثة أي الرجل والمرأتين ، ; لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة فكأنا سمعنا إقراره بالزنا ا هـ ونحوه ما يذكره الشارح قريبا عن الملتقط . فقوله لا تعتبر أصلا إلخ أي بالنسبة إلى حد المقذوف .

مطلب لا تسمع البينة مع الإقرار إلا في سبع ( قوله لا تسمع مع الإقرار إلا في سبع ) في وارث مقر بدين على الميت فتسمع للتعدي : أي تعدي الحكم بالدين إلى باقي الورثة ، وفي مدعى عليه أقر بالوصاية فبرهن الوصي ، وفي مدعى عليه أقر بالوكالة فيثبتها الوكيل دفعا للضرر ، وفي الاستحقاق إذا أقر المستحق عليه ليتمكن من الرجوع على بائعه ، وفيما لو خوصم الأب بحق عن الصبي فأقر لا يخرج عن الخصومة فتسمع البينة عليه بخلاف الوصي وأمين القاضي ، وفيما لو أقر الوارث للموصى له ، وفيما لو أجر دابة بعينها من رجل ثم من آخر فبرهن الأول على المؤجر تقبل وإن كان مقرا له ا هـ ملخصا ( قوله حد المقذوف ) أي دون القاذف كما علمت وترك التصريح به لظهوره ( قوله بحد متقادم ) تقدم بيانه في باب الشهادة على الزنا ( قوله وإن عجز عن البينة للحال إلخ ) أما لو أقام شاهدين لم يزكيا أو شاهدا واحدا وادعى أن الثاني في المصر فإنه يحبسه ثلاثة أيام للتزكية أو لإحضار الآخر كما قدمناه أول الباب ( قوله إلى قيام المجلس ) أي مقدار قيام القاضي من مجلسه فتح ( قوله ولا يكفل إلخ ) ; لأن سبب وجوب الحد ظهر عند القاضي فلا يكون له أن يؤخر الحد لتضرر المقذوف بتأخير دفع العار عنه وإلى آخر المجلس قليل لا يتضرر .

وفي قول أبي يوسف الآخر وهو قول محمد يكفل فلذا يحبس عندهما في دعوى الحد والقصاص ، ولا خلاف أنه لا يكفل بنفس الحد والقصاص . وكان أبو بكر الرازي يقول مراد أبي حنيفة أن القاضي لا يجبره على إعطاء الكفيل ، فأما إذا سمحت نفسه به فلا بأس ; لأن تسليمه نفسه مستحق عليه والكفيل بالنفس إنما يطالب بهذا القدر فتح ( قوله درئ الحد إلخ ) ; لأن الفاسق فيه نوع قصور وإن كان من أهل الأداء والتحمل ، ولذا لو قضي بشهادته نفذ عندنا فيثبت بشهادتهم شبهة الزنا فيسقط الحد عنهم وعن القاذف ، وكذا عن المقذوف لاشتراط العدالة في الثبوت . وأما لو كانوا عميانا أو عبيدا أو محدودين في قذف أو كانوا ثلاثة فإنهم يحدون للقذف دون المشهود عليه لعدم أهلية الشهادة فيهم أو عدم النصاب كما تقدم في باب الشهادة على الزنا .

قلت : والظاهر أن القاذف يحد أيضا ; لأن الشهود إذا حدوا مع أنهم إنما تكلموا على وجه الشهادة لا على وجه القذف يحد القاذف بالأولى ولم أره صريحا ، وهذا بخلاف شهادة الاثنين على الإقرار كما مر قريبا




الخدمات العلمية