الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 301 ] لكن فيها بعد ورقتين أخريين جواز بيع البناء أو الغراس المشترك في الأرض المحتكرة ولو للأجنبي [ ص: 302 ] فتنبه ، فلا يجوز بيعه إلا بإذنه

التالي السابق


مطلب مهم في بيع الحصة الشائعة من البناء أو الغراس ( قوله لكن فيها إلخ ) أفتى بمثله في الفتاوى الخيرية ، واستند إلى ما في فتاوى ابن نجيم ، وبين وجه ذلك حيث قال : سئل فيما إذا باع أحد الشركاء حصته في الغراس في الأرض المحتكرة من أجنبي وأعلمه بما على الحصة من الحكر هل يجوز بيعه لكونه لا مطالب له بالقلع فلا يتضرر أم لا ؟ أجاب : نعم يجوز بيعه لعدم الضرر بعدم التكليف بالقلع .

ففي فتاوى الشيخ زين بن نجيم : إذا باع أحد الشريكين في البناء والغراس في الأرض المحتكرة حصته من أجنبي هل يجوز بيعه منه أم لا ؟ أجاب : نعم يجوز ، وكذا من الشريك ، والله أعلم . ا هـ .

ووجه عدم المطالبة في الأرض المحتكرة بالقلع كما هو ظاهر ا هـ ما في الخيرية .

وبه ظهر أنه لا مخالفة بين هذا وما تقدم لأن مناط الفساد حصول الضرر فافهم ، ولذا قال الطرسوسي بعد كلام : فتحرر لنا من هذه النقول أن بيع الحصة من الزرع والثمرة والمبطخة بغير الأرض من الأجنبي أو من أحد شريكيه لا يجوز ، فلو رضي الشريك ، قيل لا يجوز أيضا ، وقيل يجوز . ويظهر لي التوفيق بحمل الأول على ما إذا قصد المشتري إجبار الشريك على القلع ، والثاني على ما إذا لم يقصد ذلك ، ويفهم هذا التوفيق من تعليل المحيط لعدم الجواز بقوله ; لأن فيه ضررا والإنسان لا يجبر على تحمل الضرر وإن رضي به . ا هـ . كما قالوا فيما إذا باع نصف زرعه من رجل لا يجوز ; لأن المشتري يطالبه بالقلع فيتضرر البائع فيما لم يبعه وهو النصف الآخر كبيع الجذع في السقف .

ثم إذا طلب المشتري القلع لا يجاب إليه نظرا للشريك ، لكن إن طلب هو أو البائع النقض فسخ البيع ; لأنه فاسد ، وإن سكت إلى وقت الإدراك انقلب جائزا لزوال المانع ، وذكر في الخانية أن نصيب البائع يكون للمشتري ما لم ينقض البيع . ا هـ .

وأما بيع هذه المذكورات من الشريك كأرض بينهما فيها زرع لهما لم يدرك فباع أحدهما نصيبه من الزرع لشريكه بدون الأرض ، ففي رواية يجوز ، وفي أخرى لا وعليها جواب عامة الأصحاب ، ولكنها تحمل على ما فيه ضرر بالقلع كبيع رب الأرض من الأكار حصته من الزرع أو الثمرة فلا يجوز ; لأنه يكلف الأكار القلع فيتضرر .

أما لو باع الأكار لرب الأرض فإنه يجوز اتفاقا والدليل قول المحيط ; لأن البائع يطالبه بالقلع ليفرغ نصيبه من الأرض ، ولا يمكن ذلك إلا بقلع الكل فيتضرر المشتري فيما لم يشتره وهو نصيب نفسه ا هـ كلام الطرسوسي ملخصا ثم حرر أن حكم الغراس كالزرع ، وهذا كله فيما إذا لم يدرك الزرع والثمر ، وإلا جاز لعدم الضرر بالقلع كما سيذكره الشارح عن الفتاوى : إذا بلغت الأشجار أوان القطع جاز الشراء وإلا فسد ومثله الزرع كما في بيوع البحر عن الولوالجية . [ ص: 302 ] والحاصل أن ما بلغ أوان قطعه يصح بيع الحصة منه للشريك ولغيره ولو بلا إذن الشريك لعدم الضرر وإلا لم يجز بيعه من الأجنبي بلا إذن الشريك ، فلو ` بإذنه لم يجز إن كان مراد المشتري إجبار الشريك على القلع ، وإلا بأن سكت إلى وقت الإدراك يجوز ، وعلى هذا ما كان في الأرض المحتكرة ; لأنه معد للبقاء لا للقطع فلا يتضرر أحدهما ، فلو أراد القطع قبل بلوغ أوانه لا يجاب إلى ذلك ، وإذا طلب أحدهما فسخ البيع يجاب ; لأنه فاسد ، وإنما ينقلب جائزا إذا سكت إلى وقت الإدراك .

وأما البناء فذكر الطرسوسي أنه إما أن تكون الأرض لهما أو لغيرهما أو لأحدهما ، فإن كانت لهما ففي المحيط أنه لو باع أحدهما حصته من البناء فقط لأجنبي لم يجز ولو بإذن الشريك ; لأن للبائع مطالبته بالهدم وكذا لو كان الكل له فباع نصفه من رجل ; لأن المشتري يطالبه بالهدم فيتضرر البائع فيما لم يبعه ، ولو باع من شريكه في رواية جاز ، وفي أخرى لا واختارها أبو الليث ; لأن البائع يطالبه بتفريغ نصيبه من الأرض وإن كانت الأرض لغيرهما ففي البدائع والخلاصة : لو باع لأجنبي لم يجز ; لأنه لا يمكنه تسليمها إلا بضرر وهو نقض البناء ، ومقتضاه أنه لشريكه يجوز ، لكن ينبغي حمله على ما لا ضرر فيه كما لو استعارها للبناء مدة ومضت المدة ; لأن البائع لا حق له في الأرض فلا يمكنه مطالبة المشتري بالقلع ، بخلاف الأرض المستأجرة لبقاء حقه في الأرض إلا أن يؤجره نصيبه منها قبل البيع وكذا لو كانت الأرض مغصوبة ; لأن البناء غير مستحق للبقاء بل للقلع فهو كالمقلوع حقيقة فيصح بيعه ولو لأجنبي ، ومثله الأحكار التي يدفع لها كل سنة مبلغ معلوم بلا إجارة شرعية فينبغي أن يكون كالمغصوبة ; لأنه مستحق للقلع ، وإن كانت الأرض لأحدهما ، فإن باع أحدهما لأجنبي لا يجوز ، وإن لشريكه ينبغي الجواز سواء كان البائع صاحب الأرض أو الآخر لأن البناء هنا لا يكون إلا بطريق الإباحة فهو مستحق القلع ، بخلاف الزرع في أرض أحدهما فإنه بطريق المزارعة وهي عقد لازم فالزرع مستحق البقاء ، فلذا لم يصح بيع صاحب الأرض حصته في الزرع للمزارع وصح العكس لعدم الضرر ; هذا خلاصة ما حرره الطرسوسي في أنفع الوسائل .

قلت : والعرف الآن في العمارة أنها تبنى في أرض الوقف أو أرض بيت المال بعد استئجار أرض الوقف مدة طويلة على مذهب من يراها ، فإذا باع حصته من البناء لأجنبي بعد ما أحكره الحصة من الأرض أو فرغ له عن حق تصرفه في الأرض السلطانية بإذن المتكلم عليها صح لعدم الضرر ، وكذا لو تأخر الإحكار أو الفراغ عن البيع لارتفاع المفسد كما مر فيما لو باع حصته من الشجر قبل الإدراك ولم يطلب القلع إلى الإدراك ، وعلى هذا فما مر عن البدائع والخلاصة من عدم الجواز للأجنبي ينبغي حمله على ما إذا كانت الأرض مستعارة بقرينة التعليل وذلك ; لأن المشتري غير مستعير ولا بد من تسليم المبيع فلا بد من الهدم ، وفيه ضرر على الشريك ، بخلاف ما إذا كانت في أرض وقف أو أرض سلطانية ; لأنه يمكنه تسليم المبيع مع الأرض فيقوم المشتري مقام البائع إذا كان قصده إبقاء البناء ونزول علة الفساد التي ذكرها ، وهذا ما استند إليه الخير الرملي في علة الجواز تبعا لابن نجيم كما مر ، لكنه سوى بين الغراس والبناء ، فيحمل ما مر من عدم الجواز في الغراس الذي لم يبلغ أوان القطع على ما إذا كانت الأرض للبائع ، وقد استوفينا الكلام على هذه المسائل في كتابنا العقود الدرية تنقيح الفتاوى الحامدية فراجعه ( قوله فتنبه ) أشار به إلى وجه التوفيق الذي ذكرناه بين كلامي ابن نجيم ( قوله فلا يجوز بيعه إلا بإذنه ) راجع إلى قوله إلا في صورة الخلط وما بعده ا هـ ح وقد سقط في بعض النسخ من هنا إلى قوله " والاختلاط " .




الخدمات العلمية