الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( والقاضي يحبس الحر المديون ليبيع ماله لدينه وقضى دراهم دينه من دراهمه ) يعني بلا أمره ، وكذا لو كان دنانير ( وباع دنانيره بدراهم دينه وبالعكس استحسانا ) لاتحادهما في الثمنية ( لا ) يبيع القاضي ( عرضه ولا عقاره ) للدين [ ص: 151 ] ( خلافا لهما وبه ) أي بقولهما ببيعهما للدين ( يفتى ) اختيار وصححه في تصحيح القدوري ، ويبيع كل ما لا يحتاجه في الحال ولو أقر بمال يلزمه بعد الديون ما لم يكن ثابتا ببينة أو علم قاض فيزاحم الغرماء كمال استهلكه إذ لا حجر في الفعل كما مر . .

التالي السابق


( قوله : ليبيع ماله ) أطلق المال فشمل المرهون والمؤجر والمعار ; وكل ما هو ملك له رملي ، ولا يكون ذلك إكراها لأنه بحق كما مر في محله إذ هو ظالم بالمنع . ( قوله : يعني بلا أمره ) لأن للدائن أن يأخذ بيده إذا ظفر بجنس حقه بغير رضا المدين فكان للقاضي أن يعينه زيلعي . ( قوله : وكذا لو كان ) أي كل من ماله ودينه وفي نسخ : كانا بضمير التثنية . ( قوله : استحسانا ) والقياس أن لا يجوز لأن هذا الطريق غير متعين لقضاء الدين فصار كالعروض . ( قوله : لاتحادهما في الثمنية ) بيان لوجه الاستحسان ، ولهذا يضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة مع أنهما مختلفان في الصورة حقيقة وهو ظاهر ، وحكما لأنه لا يجري بينهما ربا الفضل . فبالنظر للاتحاد يثبت للقاضي ولاية التصرف وبالنظر للاختلاف يسلب عن الدائن ولاية الأخذ عملا بالشبهين ، بخلاف العروض ، لأن الأغراض تتعلق بصورها وأعيانها . [ ص: 151 ]

أقول : ورأيت في الحظر والإباحة من المجتبى رامزا ما نصه : وجد دنانير مديونه وله عليه درهم له أن يأخذه لاتحادهما جنسا في الثمنية ا هـ ومثله في شرح تلخيص الجامع الكبير للفارسي في باب اليمين في المساومة . [ تنبيه ] :

قال الحموي في شرح الكنز نقلا عن العلامة المقدسي عن جده الأشقر عن شرح القدوري للأخصب : إن عدم جواز الأخذ من خلاف الجنس كان في زمانهم لمطاوعتهم في الحقوق ، والفتوى اليوم على جواز الأخذ عند القدرة من أي مال كان لا سيما في ديارنا لمداومتهم العقوق قال الشاعر :

عفاء على هذا الزمان فإنه زمان عقوق لا زمان حقوق وكل رفيق فيه غير مرافق وكل صديق فيه غير صدوق

ط

. ( قوله : خلافا لهما وبه يفتى ) الأولى أن يقول وقالا : يبيع وبه يفتى كما لا يخفى ح . ( قوله : أي بقولهما ببيعهما ) أي العرض والعقار ، وأشار بهذا التفسير إلى أن ما عداه لا خلاف فيه . ( قوله : اختيار ) ومثله في الملتقى . ( قوله : ويبيع كل ما لا يحتاجه في الحال ) قال في التبيين : ثم عندهما يبدأ القاضي ببيع النقود ، ثم العروض ، ثم العقار . وقال بعضهم : يبدأ ببيع ما يخشى عليه التوى من عروضه ، ثم بما لا يخشى عليه ، ثم بالعقار .

فالحاصل : أنه يبيع ما كان أنظر له ويترك عليه دست من ثيابه يعني بدلة وقيل : دستان لأنه إذا غسل ثيابه لا بد له من ملبس وقالوا : إذا كان يكتفي بدونها تباع ، ويقضى الدين ببعض ثمنها ، ويشتري بما بقي ثوبا يلبسه وكذا يفعل في المسكن وعن هذا قالوا : يبيع ما لا يحتاج إليه في الحال كاللبد في الصيف والنطع في الشتاء ، وينفق عليه وعلى زوجته وأطفاله وأرحامه من ماله ا هـ ملخصا قال الرحمتي : ومفاده أنه لا يكلف إلى أن يسكن بالأجرة كما قالوا في وجوب الحج تأمل ا هـ .

وفي حاشية المدني أقول : وكذا لو كان عنده عقارات وقف سلطاني زائدة على سكناه أو صدقات في الدفاتر السلطانية لا يؤمر ببيعها كما أفتى به غير واحد من العلماء ا هـ أي لا يؤمر بالفراغ عنها إذ لا يجوز بيعها تأمل . مطلب : تصرفات المحجور بالدين كالمريض .

( قوله : يلزمه بعد الديون ) أي يقضيه بعد قضاء الديون التي حجر لأجلها ونحوها مما ذكره بعد وهذا ما لم يكن استفاد مالا بعد الحجر ، وإلا فيقضي ما أقر به منه كما في المواهب والهداية ، وقدمناه عن التتارخانية وشرح الملتقى وفي التتارخانية ثم إذا صح الحجر بالدين صار المحجور كمريض عليه ديون الصحة ، فكل تصرف أدى إلى إبطال حق الغرماء ، فالحجر يؤثر فيه كالهبة والصدقة . وأما البيع فإن بمثل القيمة جاز وإن بغبن فلا ويتخير المشتري بين إزالة الغبن وبين الفسخ كبيع المريض ، فإن باع من الغريم وقاصصه بالثمن جاز لو الغريم واحدا وإلا صح البيع من أحدهم لو بمثل القيمة دون المقاصة ، وكذا لو قضى دين البعض دون البعض كالمريض ا هـ ملخصا . ( قوله : ببينة ) بأن شهدوا على الاستقراض أو الشراء بمثل القيمة تتارخانية . ( قوله : أو علم قاض ) المعتمد عدم جواز القضاء بعلمه ط . ( قوله : كمال استهلكه ) فإن مالكه يزاحم الغرماء ، وكذا لو تزوج امرأة بمهر مثلها ابن مالك والمراد باستهلاكه المال أنه ثبت بغير إقراره مما مر ، فلو به ففي التتارخانية أنه يسأل عن إقراره بعدما صار مصلحا أن ما أقر به كان حقا أو لا ؟ فإن قال نعم يؤاخذ به وإلا فلا ، ويجب أن يكون الجواب في الصبي المحجور كذلك ا هـ .




الخدمات العلمية