الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وركنها هو الفعل الذي يحصل به الإفراز والتميز بين الأنصباء ) [ ص: 254 ] ككيل وذرع ( وشرطها عدم فوت المنفعة بالقسمة ) ولذا لا يقسم نحو حائط وحمام ( وحكمها تعيين نصيب كل ) من الشركاء ( على حدة وتشتمل ) مطلقا ( على ) معنى ( الإفراز ) وهو أخذ عين حقه ( و ) على معنى ( المبادلة ) وهو أخذ عوض حقه ( و ) الإفراز ( هو للغالب في المثلي ) وما في حكمه وهو العددي المتقارب ، فإن معنى الإفراز غالب فيه أيضا ابن كمال عن الكافي ( والمبادلة ) غالبة ( في غيره ) أي غير المثلي وهو القيمي .

إذا : تقرر هذا الأصل ( فيأخذ الشريك حصته بغيبة صاحبه في الأول ) أي المثلي لعدم التفاوت ( لا الثاني ) أي القيمي لتفاوته .

في الخانية : مكيل أو موزون بين حاضر وغائب أو بالغ وصغير فأخذ الحاضر أو البالغ نصيبه نفذت القسمة إن سلم حظ الآخرين وإلا لا كصبرة بين دهقان وزراع أمره الدهقان بقسمتها ، إن ذهب بما أفرزه للدهقان أولا فبهلاك الباقي عليهما ، وإن بحظ نفسه أولا فالهلاك على الدهقان خاصة كذا قاله بعض المشايخ انتهى ملخصا .

التالي السابق


( قوله ككيل وذرع ) وكذا الوزن والعد نهاية . وفيه بحث لأنهم اختلفوا في أن أجرة القسمة على الرءوس أو الأنصباء ، واتفقوا على أن أجرة الكيل ونحوه على الأنصباء شرنبلالية عن المقدسي : أي ومقتضى كونه ركنا أن يكون على الخلاف أيضا . قال أبو السعود : ويجاب بما سيأتي من أن الكيل والوزن إن كان للقسمة قيل هو محل الخلاف ا هـ فليتأمل ( قوله وشرطها إلخ ) أي شرط لزومها بطلب أحد الشركاء شرنبلالية ( قوله المنفعة ) أي المعهودة ، وهي ما كانت قبل القسمة ، إذ الحمام بعدها ينتفع به لنحو ربط الدواب ، وسيذكره الشارح عن المجتبى ( قوله ولذا لا يقسم نحو حائط ) يعني عند عدم الرضا من الجميع ، أما إذا رضي الجميع صحت كما سيأتي متنا ا هـ ح ( قوله وحكمها ) وهو الأثر المترتب عليها منح ( قوله مطلقا ) أي سواء كانت في المثليات أو القيميات منح ( قوله والإفراز هو الغالب في المثلي ) لأن ما يأخذه أحدهما نصفه ملكه حقيقة ونصفه الآخر بدل النصف الذي بيد الآخر ، فباعتبار الأول إفراز وباعتبار الثاني مبادلة ، إلا أن المثلي إذا أخذ بعضه بدل بعض كان المأخوذ عين المأخوذ عنه حكما لوجود المماثلة ، بخلاف القيمي ( قوله وما في حكمه ) أي حكم المثلي .

أقول : نقل في جامع الفصولين عن شرح الطحاوي كل كيلي ووزني غير مصوغ وعددي متقارب كفلوس وبيض وجوز ونحوها مثليات والحيوانات والذرعيات والعددي المتفاوت كرمان وسفرجل ، والوزني الذي في تبعيضه ضرر وهو المصوغ قيميات ا هـ . ثم نقل عن الجامع العددي المتقارب كله مثلي كيلا وعدا ووزنا . وعند زفر قيمي ، وما تتفاوت آحاده في القيمة فعددي متفاوت ليس بمثلي إلخ فتأمل ( قوله في الخانية إلخ ) أراد به بيان فائدة هي أنه إذا قسم ذو اليد حصته بغيبة صاحبه كما قال في المتن لا تنفذ القسمة ما لم تسلم حصة الآخر ( قوله إن سلم حظ الآخرين ) أي الغائب والصغير ، ومفهومه أن سلامة ما أخذه لا تشترط كما سيظهر ( قوله وإلا لا ) أي وإن لم يسلم بأن هلك قبل وصوله إليهما لا تنفذ القسمة بل تنتقض ويكون الهالك على الكل ويشاركه الآخران فيما أخذ لما في هذه القسمة من معنى المبادلة ( قوله بين دهقان ) هو من له عقار كثير كما في المغرب ، والمراد به هنا رب الأرض ( قوله أمره الدهقان بقسمتها ) أي فقسمها والدهقان غائب منح ( قوله فهلاك الباقي عليهما ) أي إذا رجع فوجد ما أفرز لنفسه قد هلك فهو عليهما ويشارك الدهقان فيما سلمه إليه ، وقوله وإن بحظ نفسه : أي وإن ذهب بنصيب نفسه إلى بيته أولا فلما رجع وجد ما أفرزه للدهقان قد هلك فهو على الدهقان خاصة كما [ ص: 255 ] في المنح عن الخانية ، ولعل وجهه أنه في الأولى لما ذهب بحصة الدهقان أولا قصد القبض للدهقان أولا والقبض لنفسه فيما بقي بعد رجوعه فلما رجع ورأى الباقي قد هلك كان الهلاك قبل القبض منهما فيكون عليهما كهلاك البعض قبل القسمة أصلا ، بخلاف ما إذا حمل نصيب نفسه إلى بيته أولا فإنه بمجرد التحميل والذهاب صار قابضا فقد هلك الباقي بعد قبض نصيبه يقينا فيكون هلاكه على صاحبه ، لكن لا يخفى مخالفته لقوله في المسألة الأولى نفذت القسمة إن سلم حظ الآخرين وإلا لا ، فإنه هنا لما سلم حظ الغائب وهو الدهقان انتقضت القسمة فجعل الهلاك عليهما ، ولما سلم حظ الحاضر وهو الزارع دون الغالب نفذت ; وكون القسمة هنا مأمورا بها من الغائب بخلافها في المسألة الأولى لا يظهر به الفرق ، ولئن سلم فالمراد عدم الفرق كما يقتضيه التشبيه في قوله كصبرة فليتأمل .

هذا ، وقد نقل في البزازية بعد ما تقدم عن واقعات سمرقند ما نصه : إذا تلف حصة الدهقان قبل قبضه نقضها ويرجع على الأكار بنصف المقبوض ، وإن تلف حصة الأكار لا تنقض لأن تلفه بعد قبضه والغلة كلها في يده والأصل أن هلاك حصة الذي المكيل في يده قبل قبض الآخر نصيبه لا يوجب انتقاض القسمة ، وبهلاك حصة من لم يكن المكيل في يده قبل قبض حصته يوجب انتقاضها ا هـ . وهذا التقرير والأصل واضح وموافق للمسألة الأولى ، وقد أطال صاحب الذخيرة في تقريره وعزاه إلى شيخ الإسلام وقال عليه يخرج جنس هذه المسائل . ثم قال : وقال الحاكم عبد الرحمن وساق ما ذكره الشارح هنا عن الخانية ، ولعل قول الخانية كذا قاله بعض المشايخ أراد به الحاكم المذكور ، وأشار بلفظ كذا إلى عدم اختياره ، والله تعالى أعلم




الخدمات العلمية