الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) كره ( احتكار قوت البشر ) كتبن وعنب ولوز ( والبهائم ) كتبن وقت ( في بلد يضر بأهله ) لحديث { الجالب مرزوق والمحتكر ملعون } " فإن لم يضر لم يكره [ ص: 399 ] ومثله تلقي الجلب ( و ) يجب أن ( يأمره القاضي ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله فإن لم يبع ) بل خالف أمر القاضي ( عزره ) بما يراه رادعا له ( وباع ) القاضي ( عليه ) طعامه ( وفاقا ) على الصحيح وفي السراج لو خاف الإمام على أهل بلد الهلاك أخذ الطعام من المحتكرين وفرق عليهم فإذا وجدوا سعة ردوا مثله وهذا ليس بحجر بل للضرورة ومن اضطر لمال غيره وخاف الهلاك تناوله بلا رضاه ونقله الزيلعي عن الاختيار وأقره ( ولا يكون محتكرا بحبس غلة أرضه ) بلا خلاف ( ومجلوبه من بلد آخر ) خلافا للثاني وعند محمد إن كان يجلب منه عادة كره وهو المختار .

التالي السابق


( قوله وكره احتكار قوت البشر ) الاحتكار لغة : احتباس الشيء انتظارا لغلائه والاسم الحكرة بالضم والسكون كما في القاموس ، وشرعا : اشتراء طعام ونحوه وحبسه إلى الغلاء أربعين يوما لقوله عليه الصلاة والسلام " { من احتكر على المسلمين أربعين يوما ضربه الله بالجذام والإفلاس } " وفي رواية " { فقد برئ من الله وبرئ الله منه } " قال في الكفاية : أي خذله والخذلان ترك النصرة عند الحاجة ا هـ وفي أخرى " { فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا } " الصرف : النفل ، والعدل الفرض شرنبلالية عن الكافي وغيره وقيل شهرا وقيل أكثر وهذا التقدير للمعاقبة في الدنيا بنحو البيع وللتعزير لا للإثم لحصوله وإن قلت المدة وتفاوته بين تربصه لعزته أو للقحط والعياذ بالله تعالى در منتقى مزيدا ، والتقييد بقوت البشر قول أبي حنيفة ومحمد وعليه الفتوى كذا في الكافي ، وعن أبي يوسف كل ما أضر بالعامة حبسه ، فهو احتكار وعن محمد الاحتكار في الثياب ابن كمال .

( قوله كتين وعنب ولوز ) أي مما يقوم به بدنهم من الرزق ولو دخنا لا عسلا وسمنا در منتقى ( قوله وقت ) بالقاف والتاء المثناة من فوق الفصفصة بكسر الفاءين وهي الرطبة من علف الدواب ا هـ ح وفي المغرب : القت اليابس من الإسفست ا هـ ومثله في القاموس وقال في الفصفصة بالكسر هو نبات فارسيته إسفست تأمل ( قوله في بلد ) أو ما في حكمه كالرستاق والقرية قهستاني ( قوله يضر بأهله ) بأن كان البلد صغيرا هداية ( قوله والمحتكر ملعون ) أي مبعد عن درجة الأبرار ، ولا يراد المعنى الثاني للعن وهو [ ص: 399 ] الإبعاد عن رحمة الله تعالى ، لأنه لا يكون إلا في حق الكفار إذ العبد لا يخرج عن الإيمان بارتكاب الكبيرة كما في الكرماني ، وأقره القهستاني در منتقى ( قوله ومثله تلقي الجلب ) أي في التفصيل بين كونه يضر أهل البلد أو لا يضر : وصورته كما منمنلا مسكين : أن يخرج من البلد إلى القافلة التي جاءت بالطعام ، ويشتري منها خارج البلد وهو يريد حبسه ويمتنع عن بيعه ولم يترك حتى تدخل القافلة البلد قالوا هذا إذا لم يلبس الملتقي سعر البلد على التجار ، فإن لبس فهو مكروه في الوجهين هداية ( قوله يأمر القاضي ببيع ما فضل إلخ ) أي إلى زمن يعتبر فيه السعة كما في الهداية والتبيين شرنبلالية وينهاه عن الاحتكار ويعظه ويزجره عنه زيلعي ( قوله فإن لم يبع إلخ ) قال الزيلعي فإن رفع إليه ثانيا فعل به كذلك وهدده فإن رفع إليه ثالثا حبسه وعزره ، ومثله في القهستاني وكذا في الكفاية عن الجامع الصغير فتنبه .

( قوله وباع القاضي عليه طعامه ) أي إذا امتنع باعه جبرا عليه قال في الهداية : وهل يبيع القاضي على المحتكر طعامه من غير رضاه قيل : هو على اختلاف عرف في بيع مال المديون ، وقيل : يبيع بالاتفاق لأن أبا حنيفة يرى الحجر لدفع ضرر عام وهذا كذلك ا هـ ( قوله على الصحيح ) كذا نقله القهستاني ومثله في المنح ( قوله وفي السراج إلخ ) مثله في غاية البيان وغيرها ، وهذا بيان للعلة الأخرى للقول الصحيح غير التي قدمناها عن الهداية بناء على قول الإمام بعدم الحجر تأمل ( قوله أخذ الطعام من المحتكرين ) أي ويبقي لهم قوتهم وقوت عيالهم كما لا يخفى ط أي كما مر في أمره بالبيع ( قوله ولا يكون محتكرا إلخ ) لأنه خالص حقه لم يتعلق به حق العامة ، ألا ترى أن له أن لا يزرع فكذا له أن لا يبيع هداية قال ط والظاهر أن المراد أنه لا يأثم إثم المحتكر وإن أثم بانتظار الغلاء أو القحط لنية السوء للمسلمين ا هـ وهل يجبر على بيعه الظاهر نعم إن اضطر الناس إليه تأمل ( قوله ومجلوبه من بلد آخر ) لأن حق العامة إنما يتعلق بما جمع في المصر وجلب إلى فنائها هداية قال القهستاني ويستحب أن يبيعه ، فإنه لا يخلو عن كراهة كما في التمرتاشي .

( قوله خلافا للثاني ) فعنده يكره كما في الهداية واعترضه الأتقاني ، بأن الفقيه جعله متفقا عليه ، وبأن القدوري قال في التقريب وقال أبو يوسف : إن جلبه من نصف ميل ، فإنه ليس بحكرة ، وإن اشتراه من رستاق ، واحتكره حيث اشتراه فهو حكرة قال فعلم أن ما جلبه من مصر آخر ليس بحكرة عند أبي يوسف أيضا ; لأنه لا يثبت الحكرة فيما جلبه من نصف ميل فكيف فيما جلبه من مصر آخر نص على هذا الكرخي في مختصره ا هـ ( قوله إن كان يجلب منه عادة ) احترازا عما إذا كان البلد بعيدا لم تجر العادة بالحمل منه إلى المصر ، لأنه لم يتعلق به حق العامة كما في الهداية ( قوله ملتقى ) قال في شرحه تبعا للشرنبلالية : وقد أخر في الهداية قول محمد بدليله ا هـ أي فإن عادته تأخير دليل ما يختاره .




الخدمات العلمية