الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ومن عفا الجراح كان له ، ومن عفا النفس لم يحقن بذلك دمه ، وكان على الإمام قتله إذا بلغت جنايته القتل " . قال الماوردي : قد ذكرنا أن القصاص في قتل الحرابة منحتم ، وفي انحتامه في جراح الحرابة قولان : أحدهما : لا ينحتم ، فعلى هذا : هل يراعى فيه المكافأة من المجروح للجارح ؟ فإن كافأه اقتص منه ، وإن لم يكافئه تفرد بأخذ الأرش . والقول الثاني : إنه منحتم ، فعلى هذا : هل تراعى فيه الكفاءة أم لا ؟ على قولين كالقصاص في النفس : أحدهما : لا يراعى ، ويكون القصاص فيه على انحتامه . والقول الثاني : يراعى فيه الكفاءة ، فعلى هذا : إن كافأه انحتم القصاص فيه ، وإن لم يكافئه سقط القصاص ووجب الأرش للجروح ، وصار موقوفا على خياره في استيفائه وعفوه : لأنه يصير سقوط القصاص جاريا مجرى الأموال ، فلو كان الجرح مما يجب القصاص في بعضه ولا يجب في جميعه كالهاشمة . فإن قيل : إن القصاص في الجراح غير منحتم كان المجروح مخيرا بين ثلاثة أمور : بين أن يقتص من الإيضاح ، ويأخذ أرش الهشم خمسا من الإبل . وبين أن يعفو عن القصاص إلى الأرش ، فيأخذ دية الهاشمة عشرا من الإبل . وبين أن يعفو عن الأمرين . فإن قيل : إن القصاص في الجراح منحتم ، انحتم القصاص في إيضاح الهاشمة في حق الله تعالى وحق المجروح ، وكان أرش هشمها خمسا من الإبل مستحقا للمجروح : لسقوط القصاص فيه ، فلم يهدر بغير قصاص ولا أرش .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية