الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            وإذا سرق ثيابا من حمام ، فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون صاحب الثياب خلعها وألقاها في الحمام ولم يودعها حافظا ، فلا قطع على سارقها : لأنها في غير حرز ويضمنها .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يودعها عند الحمامي أو عند غيره من المستحفظين ، فإن غفل عن حفظها حتى سرقت ، فالضمان على من فرط في الحفظ ، ولا قطع على [ ص: 310 ] السارق . وإن لم يغفل عن الحفظ ولا فرط فيه ، فلا ضمان على من يحفظها ، ويقطع سارقها .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يقطع احتجاجا بأن الدخول إلى الحمام مأذون فيه ، فلم يكن حرزا . وهذا خطأ : لأن الأحراز معتبرة بالعرف ، والعرف جار بأن الحمام حرز لثياب داخلية ، وليس الإذن في دخوله بمانع من أن يكون حرزا ، فإن المسجد أعم دخولا وأكثر غاشية ، وهو حرز لمن نام فيه ووضع ثوبه تحت رأسه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قطع سارق رداء صفوان ، وقد نام في المسجد ووضعه تحت رأسه .

                                                                                                                                            فإن قيل : الإذن في دخول الحمام موقوف على صاحبه ، فجرى مجرى البيوت إذا أذن ربها بالدخول إليها ، لم يكن حرزا لمن دخلها ، والمساجد لا يقف الإذن فيها على أحد بعينه ، فجرى مجرى الطرقات التي تكون حرزا للأمتعة التي فيها مع أربابها .

                                                                                                                                            قيل : صحة هذا الفرق يوجب عكس الحكم في أن يكون الحمام حرزا ، والمسجد غير حرز : لأن دخول المسجد حق لداخله ، ودخول الحمام حق لصاحبه : لأنه يدخل إلى المسجد بغير إذن ولا يدخل إلى الحمام إلا بإذن ، وعكس الحكم مدفوع ، فصار الفرق مطرحا ، فإذا ثبت استواء المسجد والحمام في الحرز على الوجه الذي بيناه ، كان القطع في السرقة من المسجد معتبرا بأخذه من تحت صاحبه إن كان نائما ، فإن لم يكن تحته فليس بمحرز إلا أن يكون مستيقظا ، فيكون حرزا لما بين يديه وما يمتد إليه بصره مما قاربه ، ولا يعتبر خروجه من المسجد في وجوب القطع .

                                                                                                                                            فأما الحمام : فهل يعتبر في قطع السارق منه خروجه من الحمام أم لا ؟ على وجهين : أحدهما : لا يعتبر كالمسجد ، ويقطع إذا أخذ الثياب من موضعها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن يعتبر فيه خروجه من الحمام ، ولا قطع عليه ما لم يخرج منه : لأنه حرز خاص والمسجد عام .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية