الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            فإذا ثبت ما وصفنا ، من أن الثمانين في الخمر حد وتعزير ، فلا يجوز أن ينقص من الأربعين ولا يجوز أن يزيد على الثمانين . ويجوز أن يقتصر على الأربعين . وهو بما زاد عليها إلى الثمانين موقوف على اجتهاد الإمام . فإن رآه عمل به وإن لم يره كف عنه .

                                                                                                                                            فأما صفة حده : فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حده بالثياب والنعال ، وأمر بتبكيته [ ص: 415 ] وحثو التراب عليه . وروي عن الصحابة : أنهم حدوه بالسياط . فاختلف أصحابنا في حد النبي صلى الله عليه وسلم بالثياب والنعال ، هل كان بعذر أو شرع ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي العباس بن سريج ، وأبي إسحاق المروزي أنه كان لعذر في الشارب من مرض ، أو لأنه كان نضوا ، كما حد مقعدا بأثكال النخل . فعلى هذا : يكون حد الصحابة بالسياط نصا في غير المعذور : لأنه جنس ما يستوفى به الحدود ، فيحد بالسياط . ويكون حد الخمر مخففا من وجه واحد : وهو مقدار العدد دون صفة الحد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول الجمهور أن حده بالثياب والنعال كان شرعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم خفف به حد الخمر كما خففه في العدد . فعلى هذا : يكون عدول الصحابة عنه إلى السياط عن اجتهاد منهم فيه ، حين تهافتوا في الخمر ، واستهانوا بحده ، كما اجتهدوا في زيادة العدد إلى الثمانين . ويكون حد الخمر مخففا من وجهين :

                                                                                                                                            في مقدار العدد ، وصفة الحد ، ويكون العدول إلى السياط اجتهادا . كما كانت الزيادة إلى الثمانين اجتهادا . فأما التبكيت وحثو التراب ، فزيادة في التعزير وليس بشرط في الحد ، وهو موقوف على اجتهاد الإمام في فعله وتركه ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية