الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            فإذا تقررت هذه الجملة في حظر التطلع ورمي المتطلع ، فالحظر عام والرمي خاص ، فيحرم التطلع على المناسبين من الآباء والأبناء ، كما يحرم على الأجانب : لأنه ربما كان مكشوف العورة ، أو كان مع حرمته على حلاله ، فلا يحل لذي بصر أن يراه . وأما الرمي فخاص يختلف باختلاف حال المتطلع ، ولا يخلو حاله من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون من والديه الذين لا يثبت له عليهم قصاص في جناية ، ولا حد في قذف ، فلا يجوز له رميهم ، ولا فقؤهم : لأنه نوع حد فسقط عنه كالقذف . فإن رماهم وفقأهم ضمن ، وهل يكون ذلك شبهة في سقوط القود أم لا ؟ معتبرا بحاله فإن كان عند التطلع عليه مستور العورة فلا شبهة له ، وعليه القود ، وإن كان مكشوف العورة ، فهي شبهة له في سقوط القود عنه ، ويضمن الدية .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون المتطلع أجنبيا أو من مناسبيه وذوي رحمه الذين ليسوا من ذوي محارمه ، كبني الأعمام ، وبني الأخوال ، فهم في حظر التطلع كالأجانب في إباحة رميهم وفقء أعينهم : لاشتراكهم في تحريم النظر . ولا فرق بين أن يكون المتطلع رجلا أو امرأة ، ولا فرق بين أن يكون في الدار رجل أو امرأة في تحريم التطلع ورمي المتطلع . وإن كان تطلع الرجل على الرجل وتطلع المرأة على المرأة ، أخف حظرا من تطلع الرجل على المرأة ، وتطلع المرأة على الرجل . ولكن لو كان [ ص: 463 ] التطلع على دار لا ساكن فيها ، لم يجز أن يرمى المتطلع سواء كان فيها متاع ، أو لم يكن : لارتفاع العورة . فإن رمي المتطلع ضمنه راميه . وهكذا الأعمى لا يجوز أن يرمى إذا تطلع على المنازل المسكونة : لأنه لا ينهتك بتطلعه عورة ، فإن رمي ضمنه الرامي .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يكون المتطلع من ذوي المحارم الذين يجري بينهم القصاص في الجناية ، والحد في القذف ، كالأبناء والبنات ، والإخوة والأخوات ، والأعمام والعمات ، والأخوال والخالات ، ففي جواز رميهم وفقء أعينهم وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو الظاهر من قول أبي حامد الإسفراييني له رميهم كالأجانب : لجريان القصاص والحدود بينهم .

                                                                                                                                            روى صفوان ، عن عطاء بن يسار ، أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أستأذن على أمي ؟ قال : نعم . قال : إني أخدمها . قال : استأذن عليها . فعاوده ثلاثا ، فقال : أتحب أن تراها عريانة ؟ قال : لا . قال فاستأذن عليها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة ليس له رميهم ، ويضمن إن رماهم كالآباء : لقول الله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن [ النور : 31 ] الآية فشرك بين جميعهم في إباحة النظر إلى الزينة الباطنة : لأن الزينة الظاهرة لا تحرم على الأجانب ، فسوى بين الزوج وبين ذوي المحارم فيها ، وإن خالفهم في التلذذ بها دونهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية