الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            فإذا ثبت ما ذكرنا من اعتبار الشروط الأربعة ، فجميعها شروط في الحصانة ، وبكمال الحصانة يجب الرجم ، هذا مذهب الشافعي وقول جمهور أصحابه .

                                                                                                                                            وذهب شاذ من أصحابه إلى أن شرط الحصانة واحد فيها ، وهو الإصابة في نكاح صحيح ، والثلاثة الباقية وهي البلوغ والعقل والحرية ، شروط وجوب الرجم دون الحصانة . وهذا اختلاف مؤثر في الصحيح والمجنون والعبد إذا أصابوا في نكاح صحيح ، ثم زنا الصبي بعد بلوغه ، والمجنون بعد إفاقته ، والعبد بعد عتقه ، فمن جعلها من شروط الحصانة أوجب عليهم الجلد دون الرجم حتى يستأنفوا ، والإصابة في النكاح بعد كمالهم ، ومن جعلها من شروط الرجم أوجب عليهم الرجم بالإصابة المتقدمة قبل [ ص: 199 ] كمالهم . ولكل واحد من المذهبين وجه . وإذا كانت الإصابة في النكاح الصحيح أصلا في الحصانة لم تحصن الإصابة في نكاح فاسد ، ولا بملك اليمين : لأنها إصابة كمال لاعتبارها في كمال الحد ، فوجب أن يعتبر فيها أكمل أسبابها ، والنكاح أكمل من ملك اليمين : لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : اختصاصه بالاستمتاع : لأنه لا يجوز أن ينكح من لا يحل له ، ويجوز أن يملك من لا تحل له .

                                                                                                                                            والثاني : أنه أشرف من ملك اليمين وأفضل : لاجتماع الشرائع عليه واستحقاق الميراث به ، فإذا ثبت هذا لم يخل حال الزوجين من أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكونا كاملين بالبلوغ والعقل والحرية ، فيتحصنا معا فيه بإصابة مرة واحدة ، إذا غاب بها الحشفة في الفرج ، سواء كان عقيبها إنزال أو لم يكن ، فأيهما زنا رجم .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكونا ناقصين معا : لصغر ، أو جنون ، أو رق ، فلا حصانة بهذه الإصابة ما كان النقص باقيا ، فإن زال النقص ففي ثبوت الحصانة بما تقدم من الإصابة ما ذكرناه من الوجهين .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يكون الزوج كاملا بالبلوغ والعقل والحرية ، والزوجة ناقصة : لصغر أو جنون أو رق ، فيثبت فيه حصانة الزوج دون الزوجة ، فإن زال نقص الزوجة ففي ثبوت حصانتها بالإصابة المتقدمة وجهان .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن تكون الزوجة كاملة بالبلوغ والعقل والحرية دون الزوج ، فينظر في نقص الزوج : فإن كان برق أو جنون تحصنت به الزوجة دون الزوج . فإن زال نقص الزوج ، ففي ثبوت حصانته بما تقدم من إصابته وجهان . فإن كان نقص الزوج لصغر ، نظر فإن كان مثله لا يستمتع بإصابته : لطفولته كابن ثلاث سنين أو أربع ، لم يحصنها ولم يتحصن بها . وإن كان ممن يستمتع بمثله كالمراهق ففي تحصينها بإصابته قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : - وبه قال في " الإملاء " - لا يحصنها ولا يتحصن بها : لضعف إصابته .

                                                                                                                                            والقول الثاني : - نص عليه في كتاب " الأم " - قد حصنها وإن لم يتحصن بها : لأن المعتبر في الإصابة تغييب الحشفة ، ولا يعتبر فيه القوة والضعف كإصابة الشيخ ، وهذا شرح مذهبنا في كمال الزوجين أو أحدهما .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إذا كان أحد الزوجين ناقصا لم يتحصن واحد منهما . فنفى الحصانة عن الكامل : لانتفائها عن الناقص .

                                                                                                                                            وقال مالك : إن كان النقص برق لم يتحصن واحد منهما . وإن كان النقص [ ص: 200 ] بصغر تحصن الكامل منهما . وهذا خطأ : لأنه لما كان كل واحد منهما في الحد معتبرا بنفسه ، وجب أن يكون في الحصانة بمثابته معتبرا بنفسه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية