الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل :

                                                                                                                                            فإذا كملت هذه فشروط الأربعة وجب الرجم ، ولم يكن الإسلام شرطا فيه .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : الإسلام شرط خامس معتبر في الجناية : فإن عدم ، سقط الرجم : احتجاجا برواية نافع ، عن عبد الله بن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من أشرك بالله فليس بمحصن .

                                                                                                                                            وبما روي أن كعب بن مالك أراد أن يتزوج يهودية فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : دعها عنك ، فإنها لا تحصنك .

                                                                                                                                            قال : ولأنها حصانة من شرطها الحرية ، فوجب أن يكون من شرطها الإسلام كالحصانة في القذف . ولأن من لم يحد قاذفه لم يرجم كالعبد .

                                                                                                                                            ودليلنا : رواية عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا ، ولا يرجم إلا محصنا . فدل على أن الإسلام ليس بشرط في حصانة الرجم . فإن قيل : إنما رجمهما بالتوراة ، ولم يرجمهما بشريعته : لما روي أنه قال لكعب بن صوريا ، وقد حضره مع جماعة من اليهود : أسألكم بالله ما تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ قال : الجلد والتحميم . فأمر بإحضار التوراة : لتقرأ عليه ، فلما انتهوا في قراءتها إلى موضع الرجم وضع ابن صوريا يده عليه ، فقال عبد الله بن سلام للنبي صلى الله عليه وسلم : إنه قد وضع يده على موضع الرجم . فأمره النبي صلى الله عليه وسلم برفع يده ، فإذا فيه ذكر الرجم يلوح ، فقال لهم : ما حملكم على هذا ؟ فقال كعب بن صوريا أجد في كتابنا الرجم ، ولكن كثر الزنا في أشرافنا فلم [ ص: 197 ] نر إقامته إلا على الأدنياء وندع الأشراف ، فجعلناه الجلد والتحميم والتجبية ، - يريد بالتحميم تسويد الوجه ، مشتق من الحممة وهي الفحمة . ويريد بالتجبية : أن يركبا على حمار أو جمل وظهر كل واحد منهما إلى ظهر صاحبه - فرجمهما حينئذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : أنا أول من أحيا سنة أماتوها .

                                                                                                                                            قيل : الجواب عن هذا من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الله تعالى قد أمره أن يحكم بينهم بما أنزله عليه بقوله : وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم [ المائدة : 49 ] ، فلم يجز أن يكون حكمه عليهم بتوراتهم .

                                                                                                                                            والثاني : أنه إذا كان من شريعته الرجم وهو موافق لما في التوراة كان حكمه بشريعته لا بالتوراة ، وإنما أحضرها لإكذابهم على إنكارهم وجود الرجم فيها .

                                                                                                                                            ومن القياس : أن كل من كان من أهل الجلد الكامل إذا كان بكرا ، كان وطؤه في النكاح الصحيح يوجب أن يكون محصنا كالمسلم : ولأن من ملك رجعتين في نكاح كان محصنا كالمسلم ، وفيهما احتراز من العبد ومن غير الواطئ في نكاح .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن حديث ابن عمر فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن معنى قوله : فليس بمحصن . أي : ليس بممتنع من قبيح .

                                                                                                                                            والثاني : أنه محمول على إحصان القذف .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن حديث كعب بن مالك ، فراويه ابن أبي مريم ، عن علي بن أبي طلحة ، عن كعب ، وابن أبي مريم ضعيف ، وابن أبي طلحة لم يلق كعبا ، فكان منقطعا .

                                                                                                                                            ولو صح ، لكان الجواب عن قوله : " فإنها لا تحصنك " من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه أراد به الترغيب في نكاح المسلمات والتزهيد في نكاح الكتابيات : لأنه لا يجوز أن يريد تحصين الزنا في أصحابه ليرجموا ، وقد صانهم الله تعالى عنه : لاختيارهم لنصرة دينه والجهاد عليه مع رسوله .

                                                                                                                                            والثاني : أن معناه : أنها لا تعفك عن نكاح غيرها ، إما لقبحها أو سوء معتقدها .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قياسهم على حصانة القذف فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه قياس يدفع النص ، فكان مطرحا .

                                                                                                                                            والثاني : أن المعنى في حصانة القذف اعتبار الصفة فيها ، فكان أولى أن يعتبر فيها الإسلام ، [ لما لم يعتبر العفة في حصانة الزنا ، كان أولى أن لا يعتبر فيها الإسلام ] . [ ص: 198 ] وأما الجواب عن قياسهم على العبد : فهو أنه منتقض بمن ليس بعفيف يرجم إن زنا ، ولا يحد قاذفه . ثم المعنى في العبد : أنه إن لم يكمل جلده فلم يجب رجمه ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية