الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو أخرج السرقة فوضعها في بعض النقب ، وأخذها رجل من خارج ، لم يقطع واحد منهما " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها : في رجلين اجتمعا على سرقة ، فنقب أحدهما وأخذ الآخر ، فهذا على أربعة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : أن يشتركا في النقب ، ويدخل أحدهما فيأخذ السرقة ويضعها في النقب ولا يخرجها منه ، ويأتي وهو خارج النقب فليأخذها ولا يدخل البيت ، فمذهب مالك : أنهما يقطعان : لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنهما قد صارا بالتعاون كالواحد .

                                                                                                                                            والثاني : لئلا يصير ذلك ذريعة إلى أخذ الأموال وإسقاط الحدود ، وهذا القول قد حكاه الحارث بن سريج بن هلال النقال عن الشافعي في القديم .

                                                                                                                                            ومذهب الشافعي في الجديد وأحد قوليه في القديم : أن لا قطع على واحد منهما ، فصار في وجوب قطعها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو الأضعف ، أنهما يقطعان للمعنيين المتقدمين .

                                                                                                                                            [ ص: 293 ] والثاني : وهو الأصح ، أنهما لا يقطعان : لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الداخل إلى الحرز ما أخرجها من جميعه ، والآخذ بها من النقب لم يأخذها من حرز ، فلم يوجد في واحد منهما شروط القطع فسقط ، ولهذا قال الشعبي : اللص الظريف لا يقطع .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لو أخذها غير المعاون ، لم يقطع واحد منهما ، كذلك إذا أخذها المعاون : لأن القطع لا يجب بالمعاونة وإنما يجب بالأخذ .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : ينفرد أحدهما بالنقب ولا يدخل الحرز ، ويدخل الآخر فيخرجها ولم يشارك في النقب ، فقد اختلف أصحابنا فيها فأجراها كثير منهم مجرى الضرب الأول ، وخرج وجوب قطعهما على قولين .

                                                                                                                                            وقال أبو علي بن أبي هريرة وطائفة أخرى : إنه لا قطع على واحد منهما قولا واحدا : لأن كل واحد منهما تفرد بأحد شرطي القطع .

                                                                                                                                            والضرب الثالث : أن يشتركا في النقب ، فيدخل أحدهما فيأخذ السرقة ويخرجها ، فيقطع مخرجها : لأنه جمع بين هتك الحرز والإخراج ، ولا يقطع الآخر : لأنه انفرد بالنقب دون الإخراج .

                                                                                                                                            والضرب الرابع : أن يحضر واحد فينقب الحرز ويخاف الطلب فيهرب ، ويأتي آخر لم يشهد النقب فيدخله حين زاغ ، ويخرج السرقة منه ، فلا قطع على ناقب الحرز لا يختلف : لأنه لم يكن منه إلا النقب الذي لا يوجب القطع . وأما الآخذ لها : فإن كان النقب قد اشتهر وظهر فلا قطع عليه : لأنه سرق مالا من غير حرز ، وإن لم يشتهر ولم يظهر ففي وجوب قطعه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا قطع : لما ذكرنا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يقطع اعتبارا بظاهر الحرز ، وهكذا لو عاد الذي نقب بعد هربه من الطلب في ليلة أخرى فدخل الحرز وأخرج السرقة ، فإن كان بعد ظهور النقب وانتشاره لم يقطع ، وإن كان قبل ظهوره وانتشاره ، فعلى وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو الأظهر فيه أنه يقطع .

                                                                                                                                            والثاني : وهو الأظهر في غيره : أنه لا يقطع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية